5 min (1403 words) Read

رغم أن الذكاء الاصطناعي مبشر على ما يبدو في مجال الطب، هناك إدراك لعيوبه ومخاطره

من السهل أن نتصور قدرة الذكاء الاصطناعي على مساعدة الناس حول العام على عيش حياة أكثر صحة.

أشارت مؤخراً دراسة أجريت في رانغبور ببنغلاديش إلى أن البعض يستخدم بالفعل الذكاء الاصطناعي لاكتشاف العلامات المبكرة للمرض بشكلٍ سريع. في هذه الدراسة، قامت منظمة "Orbis International" غير الهادفة للربح، التي تسعى إلى معالجة أسباب العمى التي يمكن الوقاية منها، وكذلك الأطباء المحليون باستخدام نظام التشخيص الرقمي LumineticsCore system الذي توفره شركة Digital Diagnostics، ومقرها مدينة كورافيل بولاية آيوا. ويستخدم هذا النظام نوعاً خاصاً من الكاميرات المصممة لالتقاط صور العيون وتقييمها باستخدام تنكولوجيا الذكاء الاصطناعي.

ويحظى هذا المنتج بالفعل بسجل أداء مبهر. ففي عام 2018، كان هو أول جهاز قائم على الذكاء الاصطناعي يحصل على موافقة الإدارة الأمريكية للأغذية والعقاقير (FDA) لفحص اعتلال الشبكية السكري. وفي عام 2020، وافق برنامج "ميديكير"، البرنامج الأمريكي العملاق للرعاية الصحية، على دفع مقابل استخدام الجهاز في مكاتب الرعاية الصحية الأولية.

وفي الدراسة البنغلاديشية، تتبع الباحثون إنتاجية إحدى عيادات الشبكية التي تم فيها تخصيص مرضى السكري بشكل عشوائي، إما لمجموعة الذكاء الاصطناعي أو للمجموعة الضابطة.

فماذا كانت النتيجة؟ عندما تم استخدام أداة الذكاء الاصطناعي، تلقى ما يقدر بنحو 1,59 مريض في الساعة ما اعتبر زيارة عالية الجودة مقابل 1,14 مريض في الساعة في المجموعة الضابطة، وفقاً لما كتبه مؤسس شركة Digital Diagnostics مايكل أبراموف والمؤلفون المشاركون في مقال نُشر في أكتوبر* في دورية Nature’s npj Digital Medicine .

وقال أبراموف، وهو أيضاً أستاذ في طب العيون والهندسة بجامعة آيوا، إن الاختبار أظهر أن نظام التشخيص الرقمي LumineticsCore قد يساعد المزيد من الأشخاص على إجراء فحص لاعتلال العين الناجم عن داء السكري، حتى في الاقتصادات النامية.

ويميز أبراموف بين ما يسميه "الذكاء الاصطناعي المؤثر" في الطب و"الذكاء الاصطناعي البراق"، أي المنتجات التي تحظى بعناوين الأخبار الجذابة، ولكنها لا تُظهر حتى الآن أدلة دامغة على فائدتها للمرضى.

وقال أبراموف "نحن نميل إلى ما نسميه الآن "الذكاء الاصطناعي المؤثر"، والذي اتضح أنه يساعد في تحسين صحة الناس. أنا مهندس، لذا أحب التكنولوجيا، ولكن ينبغي ألا ندفع الكثير مقابلها إذا لم تعمل على تحسين النتائج".

وهناك أيضاً حاجة إلى توخي اليقظة إزاء استخدام الذكاء الاصطناعي لأن تطبيقه في مجال الطب أظهر بالفعل إمكانية إلحاق ضرر بالناس، وكذلك مساعدتهم.

فعلي سبيل المثال، أشارت دراسة علمية أُجريت في عام 2019* إلى أن هناك خوارزمية يشيع استخدامها بين النظم الصحية وشركات التأمين الكبيرة استهانت بحدة الأمراض التي يعاني منها المرضى السود، وهو ما يهيئ المجال لحرمانهم من الرعاية الصحية. وقد أثار الباحثون وخبراء السياسات المخاوف بشأن تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي بناء على بيانات مستخلصة مع ميل نحو الأثرياء نسبيا، والذين غالباً ما يكونون من البيض ويتمتعون بفرص جيدة للحصول على الرعاية الصحية.

وقال جيروم سينغ، أحد الاستشاريين بشأن التقرير التوجيهي الصادر عن منظمة الصحة العالمية في عام 2021 فيما يتعلق بأخلاقيات وحوكمة الذكاء الاصطناعي في مجال الصحة، إن زيادة التنوع أمر ضروري بين المرضى الذين تساعد بياناتهم في التدريب على أدوات الذكاء الاصطناعي، وكذلك بين الأشخاص الذين يصممون هذه المنتجات.

وقال سينغ أيضاً "سوف يكون الأمر بحاجة إلى مبرمجين متعددي الأعراق والثقافات"، وأضاف "التفسير مهم للغاية، لذا فإن جودة الذكاء الاصطناعي تعتمد على جودة برمجته".

واستطرد سينغ قائلاً إن الحاجة إلى زيادة التنوع من أهم تحديات الفترة القادمة أمام محاولات استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الطب في جميع أنحاء العالم، لا سيما بلدان جنوب العالم.

وقد تكون الحاجة إلى الذكاء الاصطناعي أكبر في الاقتصادات الأقل نموا، حيث تكون غالباً نسبة العاملين في المجال الطبي إلى المرضى أقل بكثير مقارنة بالمناطق الثرية. ففي الولايات المتحدة، هناك نحو 36 طبيباً لكل 10 آلاف شخص مقابل 32 طبيبا في المملكة المتحدة، ولكن في الهند هناك نحو 7 أطباء لكل 10 آلاف شخص وفقاً للبيانات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية.

ومع ذلك تواجه البلدان الأقل ثراءً تحديات عندما يتعلق الأمر بالبنية التحتية والمعرفة المؤسسية اللازمة لنجاح استخدام الذكاء الاصطناعي، وذلك على حد قول سينغ. ومن هذه التحديات نقص الكهرباء وخودام الكمبيوتر، وكذلك نقص عدد العاملين القادرين على ترجمة التشخيصات التي يتم التوصل إليها بمساعدة الذكاء الاصطناعي إلى علاج فعال.

ويقول سينغ "في بعض الأماكن، سيكون الأمر أشبه بالعدو" حتى يتسنى النجاح في دمج الذكاء الاصطناعي في نظم الرعاية الصحية. ويضيف "وفي أماكن أخرى، سيكون الأمر بمثابة ماراثون".

وقال بارثا ماجومدر، الذي شغل منصب رئيس مشارك لمجموعة الخبراء الذين قدموا التوجيهات بشأن التقرير الصادر عن منظمة الصحة العالمية عام 2021، إن اعتماد الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الطبية أمر لا مفر منه في هذه المرحلة.

وأضاف قائلا "علينا أن نتقبل أن هذا هو الواقع، ويجب التوصل إلى الضوابط والتوازنات بطريقة تحول دون تقديم تنبؤات وتشخيصات غير ملائمة. وهذا كل ما يمكننا القيام به. فنحن في الواقع لا نستطيع كبح انتشار وسائل الذكاء الاصطناعي".

وتواصل الجهات التنظيمية وصناع السياسات حول العالم السعي لإيجاد طرق يمكن من خلالها التأكد من تطبيق الذكاء الاصطناعي بأمان وفعالية في مجال الرعاية الصحية. ويركز جزء كبير من هذا العمل على محاولة معالجة التحيز في كيفية تطوير الخوارزميات والتدريب عليها.

وفي شهر أكتوبر، أصدرت منظمة الصحة العالمية تقريراً جديداً يحدد التحديات التي تواجه تنظيم الذكاء الاصطناعي* في مجال الطب. وأشار التقرير إلى مخاوف محددة بشأن الانتشار السريع للأدوات المشتقة من نماذج اللغة الكبيرة، وهي فئة تتضمن روبوتات الدردشة، دون فهم كامل لما إذا كانت هذه البرامج ستساعد المرضى أم تضرهم. وأشار تقرير صدر العام الماضي* عن البرلمان الأوروبي إلى أن هناك أيضًا مخاوف بشأن الافتقار إلى الشفافية وبشأن قضايا الخصوصية والأمن. وتعمل الإدارة الأمريكية للأغذية والعقاقير على تحسين منهجها لتنظيم الذكاء الاصطناعي في مجال المنتجات الطبية من خلال الإرشادات الرسمية. وتوضح هذه الإرشادات للشركات نوع الأدلة التي سيتعين عليها تقديمها للحصول على موافقة الإدارة الأمريكية للأغذية والعقاقير على المنتجات.

وقالت تالا فاخوري، المدير المساعد لتحليل السياسات بمكتب السياسات الطبية في مركز تقييم الأدوية والأبحاث التابع للإدارة الأمريكية للأغذية والعقاقير، إنه بإمكان الذكاء الاصطناعي القضاء على العديد من الانتكاسات المحبطة التي لطالما كانت سمة مميزة للأبحاث الصيدلانية. ففهم كيفية عمل المركبات داخل الجسم أصبح أسهل في المراحل الأولى، مما يقلص احتمالات التعرض لآثارها الجانبية التي غالباً ما تظهر في اختبارات لاحقة. وأضافت أنه بإمكان الباحثين الآن تحليل المعلومات الخاصة بالعقاقير التجريبية بسرعة باستخدام الذكاء الاصطناعي، بعد أن كان تجميعها يمكن أن يستغرق سنوات في الماضي.

وقالت فاخوري إن"الكفاءات التي تم بناؤها الآن من ناحية الاستكشاف هائلة، وبتطوير هذه العقاقير باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بشكل أساسي، سوف نرى الكثير منها قريباً في السوق".

*بالانجليزية

كيري دولي يونغ صحفي حر متخصص في الرعاية الصحية.

الآراء الواردة في هذه المقالات وغيرها من المواد المنشورة تعبر عن وجهة نظر مؤلفيها، ولا تعكس بالضرورة سياسة صندوق النقد الدولي.