تقرير الاستقرار المالي العالمي

تقرير الاستقرار المالي العالمي : الانخفاض لفترة أطول

أكتوبر 2019

وقعت الأسواق المالية تحت وطأة التوترات التجارية بموجاتها الصاعدة والهابطة، وحاصرتها الشواغل المتنامية بشأن آفاق الاقتصاد العالمي. ومع تراجُع النشاط الاقتصادي وزيادة مخاطر التطورات المعاكسة، تحولت السياسة النقدية في مختلف أنحاء العالم إلى اعتماد موقف أكثر تيسيرا، وهو تطور صاحبته انخفاضات حادة في عائدات الأسواق. ونتيجة لذلك، زاد حجم السندات ذات العائدات السالبة إلى نحو 15 تريليون دولار. ويتوقع المستثمرون حاليا أن تظل أسعار الفائدة بالغة الانخفاض لفترة أطول مما كان متوقعا في بداية العام. ويناقش الفصل الأول كيف أدى بحث المستثمرين عن العائد إلى المبالغة في أسعار الأصول في بعض الأسواق والدفع إلى زيادة تيسير الأوضاع المالية منذ صدور عدد إبريل 2019 من تقرير الاستقرار المالي العالمي.

عودة إلى أعلى

ملخص واف

لمحة عن عدد أكتوبر 2019 من تقرير الاستقرار المالي العالمي

مواطن الضعف الرئيسية في النظام المالي العالمي

  • تزايُد أعباء الدين على الشركات
  • تزايُد حيازات المؤسسات الاستثمارية من الأصول الأخطر والأقل سيولة
  • زيادة الاعتماد على الاقتراض الخارجي في الاقتصادات الصاعدة واقتصادات الأسواق الواعدة
  • ما الذي ينبغي أن يفعله صناع السياسات؟

  • معالجة مواطن الضعف في الشركات بإحكام الإشراف الرقابي والاحترازي الكلي
  • معالجة المخاطر بين المؤسسات الاستثمارية بتعزيز الإشراف والإفصاح عن المعلومات
  • تنفيذ ممارسات وأطر حذرة لإدارة الدين السيادي
  •  وتدعم السياسة النقدية التيسيرية الاقتصاد على المدى القصير، لكن الأوضاع المالية الميسرة تشجع المخاطرة المالية وتدفع إلى تراكم المزيد من مواطن الضعف في بعض القطاعات والبلدان. ويشير الفصل الثاني إلى أن مواطن الضعف في قطاع الشركات مرتفعة بالفعل في عدة اقتصادات ذات أهمية نظامية، نتيجة لتزايد أعباء الدين وتراجُع القدرة على سداد مدفوعات خدمته. وفي سيناريو يتباطأ فيه الاقتصاد فعليا، وبدرجة حِدة تعادل نصف ما كان عليه الوضع في الأزمة المالية العالمية، يمكن أن يرتفع دين الشركات المعرض للخطر (أي دين الشركات غير القادرة على تغطية مصروفات فوائدها بما تدره من إيرادات) إلى 19 تريليون دولار أمريكي – أو قرابة 40% من دين الشركات الكلي في الاقتصادات الكبرى وأعلى من مستويات الأزمة.

    وتُحَفِّز أسعار الفائدة شديدة الانخفاض المستثمرين على البحث عن العائد واقتناء أصول أخطر وأقل سيولة لتوليد العائد المستهدف، كما يرد بالنقاش في الفصل الثالث. وقد زادت مواطن الضعف بين المؤسسات المالية غير المصرفية حتى وصلت الآن إلى مستوى مرتفع في 80% من الاقتصادات التي تضم قطاعات مالية ذات أهمية نظامية (على أساس إجمالي الناتج المحلي). وهي نسبة قريبة مما كانت عليه في ذروة الأزمة المالية العالمية. ولا تزال مواطن الضعف كبيرة أيضا في قطاع التأمين. ويمكن أن يقود بحث مؤسسات الاستثمار عن العائد إلى نشأة مكامن خطر قد تتسبب في تضخيم الصدمات أثناء فترات الضغط في الأسواق؛ فأوجه الشبه بين محافظ صناديق الاستثمار يمكن أن تتسبب في تضخيم موجات البيع في الأسواق، والاستثمارات غير السائلة لصناديق التقاعد يمكن أن تقيِّد قدرتها على القيام بدور في استقرار الأسواق مثلما فعلت في السابق، والاستثمارات العابرة للحدود التي تقوم بها شركات التأمين على الحياة يمكن أن تُسَهِّل انتقال التداعيات بين الأسواق. 

    وقد جاءت تدفقات رؤوس الأموال إلى الأسواق الصاعدة مدفوعة أيضا بانخفاض أسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدمة (راجع الفصل الرابع). ودعمت هذه التدفقات الرأسمالية الداخلة زيادة الاقتراض، فارتفع المستوى الأوسط للدين الخارجي في اقتصادات الأسواق الصاعدة إلى 160% من الصادرات بعد أن كانت نسبته 100% من الصادرات عام 2008. وفي بعض البلدان، زادت هذه النسبة إلى أكثر من 300%. وإذا حدث تشديد حاد للأوضاع المالية العالمية، يمكن أن تؤدي زيادة الاقتراض إلى رفع المخاطر المحيطة بتمديد الدين وباستمرارية القدرة على تحمله. فعلى سبيل المثال، قد يكون من الأصعب على بعض المؤسسات المملوكة للدولة ذات المديونية المفرطة أن تحتفظ بقدرتها على النفاذ إلى الأسواق وعلى خدمة التزاماتها دون دعم سيادي. كذلك يمكن أن تؤدي زيادة اعتماد بعض اقتصادات الأسواق الواعدة على الاقتراض الخارجي إلى زيادة مخاطر الوصول إلى مرحلة المديونية الحرجة في المستقبل.

    وقد تحسنت الصلابة الكلية للقطاع المصرفي بفضل القواعد التنظيمية التي استُحْدِثت في أعقاب الأزمة المالية العالمية، لكن هناك مؤسسات ضعيفة لا تزال تشكل ثغرات باقية. وجاءت العائدات السالبة ومنحنيات العائد الأكثر استواءً – إلى جانب آفاق النمو الأضعف – لتُخَفِّض التوقعات بشأن ربحية البنوك، كما هبط رأس المال السوقي لبعض البنوك إلى مستويات متدنية. والبنوك معرضة أيضا، عن طريق أنشطة الإقراض، لمخاطر القطاعات التي تتسم بمواطن ضعف كبيرة، مما يجعلها حساسة تجاه الخسائر المحتملة. ففي الصين، اضطرت السلطات للتدخل بإنقاذ ثلاثة من بنوك الأقاليم. وبين البنوك غير الأمريكية، لا تزال هشاشة التمويل الدولاري – التي كانت مصدر ضغط كبير أثناء الأزمة المالية العالمية – مصدرا للضعف في كثير من الاقتصادات، على النحو الوارد بالنقاش في الفصل الخامس. ويمكن أن تؤدي هذه الهشاشة في التمويل الدولاري إلى تضخيم أثر تضييق أوضاع التمويل وتخلق تداعيات تنتقل إلى البلدان التي تقترض بالدولار الأمريكي من البنوك غير الأمريكية.

    وتكتسب معايير مراعاة البيئة والمسؤولية الاجتماعية والحوكمة (ESG) أهمية متزايدة بالنسبة للمقترضين والمستثمرين. ويمكن أن يكون لهذه العوامل تأثير جوهري على أداء الشركات وقد تنشئ مخاطر على الاستقرار المالي، ولا سيما من خلال الخسائر المتعلقة بالمناخ. وللسلطات دور محوري تضطلع به في وضع معايير للاستثمار المراعي لهذه المعايير. ويناقش الفصل السادس هذا الدور، إلى جانب ضرورة سد ثغرات البيانات وتشجيع زيادة الاتساق في إعداد التقارير.

    وعلى هذه الخلفية من الأوضاع المالية الميسرة والتقييمات المبالغ فيها في بعض الأسواق، ومواطن الضعف الكبيرة، لا تزال المخاطر المحيطة بالنمو والاستقرار المالي العالميين على المدى المتوسط تنحرف بالتوقعات انحرافا قويا في الاتجاه السلبي. وينبغي تصميم السياسات الاقتصادية الكلية والاحترازية الكلية بما يتلاءم مع الظروف الخاصة لكل اقتصاد. ففي البلدان التي لا يزال نشاطها الاقتصادي قويا ولكن مواطن الضعف كبيرة أو متزايدة في سياق الأوضاع المالية التي لا تزال ميسرة، ينبغي أن يعجل صناع السياسات بتشديد السياسات الاحترازية الكلية، بما في ذلك الأدوات الاحترازية الكلية واسعة النطاق (مثل هامش رأس المال الوقائي المعاكس لاتجاه الدورة الاقتصادية). وفي الاقتصادات التي يجري تيسير سياساتها الاقتصادية الكلية لمواجهة تدهور آفاق الاقتصاد، مع بقاء مواطن الضعف في قطاعات معينة مثارا للقلق، قد يكون على صناع السياسات استخدام منهج أكثر استهدافا لهذه القطاعات بغية معالجة جيوب الضعف فيها. وبالنسبة للاقتصادات التي تواجه تباطؤا كبيرا في النشاط، ينبغي أن ينصب التركيز على اتباع سياسات أكثر تيسيرا، تبعا للحيز المتاح أمام السياسات.

    وينبغي أن يعجل صناع السياسات بالتحرك لمعالجة مواطن الضعف المالي التي يمكن أن تفاقم الهبوط الاقتصادي القادم:

    • تزايُد أعباء مديونية الشركات: ينبغي مواصلة الرقابة الصارمة على تقييم مخاطر الائتمان المصرفي وممارسات الإقراض. وينبغي بذل جهود لزيادة الإفصاح والشفافية في أسواق التمويل غير المصرفي حتى يتسنى تقييم المخاطر بصورة أشمل. وفي الاقتصادات التي يُرتأى أن الدين الكلي لقطاع شركاتها مرتفع على نحو مؤثر نظاميا، يمكن أن ينظر صناع السياسات في وضع أدوات احترازية للشركات التي تستخدم مستوى عالٍ من الرفع المالي، بالإضافة إلى الأدوات الاحترازية المخصصة لقطاع البنوك. ومن الممكن أيضا أن يكون الحد من تحيز النظم الضريبية للتمويل بالديون على حساب التمويل برأس المال عاملا مساعدا في الحد من حوافز الإفراط في الاقتراض.
    • زيادة حيازات مؤسسات الاستثمار من السندات الأخطر والأقل سيولة: ينبغي تعزيز الإشراف على الكيانات المالية غير المصرفية. ويمكن معالجة مواطن الضعف في مؤسسات الاستثمار عن طريق الحوافز الملائمة (مثل الحد من إتاحة منتجات بعائد مضمون)، وتطبيق معايير حد أدنى للملاءة والسيولة، وتعزيز الإفصاح.
    • زيادة اعتماد اقتصادات الأسواق الصاعدة والواعدة على الاقتراض الخارجي: ينبغي لاقتصادات الأسواق الصاعدة والواعدة ذات المديونية أن تخفف من المخاطر التي تهدد قدرتها على الاستمرار في تحمل الدين عن طريق الممارسات الحذرة والأطر القوية لإدارة الدين.

    ولا يزال من الضروري تنسيق السياسات على المستوى العالمي. فثمة حاجة لإزالة التوترات التجارية، على النحو الوارد بالنقاش في عدد إبريل 2019 من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي. وينبغي أيضا أن يستكمل صناع السياسات جدول أعمال الإصلاحات التنظيمية العالمية وأن ينتهوا من تنفيذه بالكامل، لضمان عدم التراجع عن المعايير التنظيمية. كذلك يتعين استمرار التنسيق والتعاون الدوليين لضمان الانتقال السلس من سعر الفائدة السائد بين بنوك لندن ("ليبور") إلى أسعار مرجعية جديدة لمجموعة واسعة من العقود المالية حول العالم مع نهاية عام 2021.

    عودة إلى أعلى

    الفصل الخامس : التمويل المصرفي بالدولار: انعكاساته على الاستقرار المالي

    في الفترة السابقة على الأزمة المالية العالمية، أصبحت القروض الدولارية التي تقدمها البنوك العالمية الواقعة خارج الولايات المتحدة (البنوك العالمية غير الأمريكية)، إلى جانب اعتماد هذه البنوك على التمويل بالجملة الذي يتسم بالأجل القصير والتقلب، من الآليات الأساسية لانتقال الصدمات التي نشأت في الأسواق الكبرى للتمويل بالدولار الأمريكي.

    وقد أدت الإجراءات التنظيمية في أعقاب الأزمة إلى تعزيز صلابة القطاعات المصرفية في كثير من الجوانب، لكن هذه الآليات لا تزال مصدرا للخطر على النظام المالي العالمي. ويبني هذا الفصل ثلاثة مقاييس لدرجة هشاشة التمويل الدولاري الذي تحصل عليه البنوك العالمية غير الأمريكية، ويصف تطور هذه البنوك في السنوات الأخيرة.

    وتشير نتائج الدراسات التجريبية إلى أن زيادة تكاليف التمويل بالدولار الأمريكي تقود إلى حالة من الضغط المالي في اقتصادات الموطن بالنسبة للبنوك العالمية غير الأمريكية، كما تؤدي إلى تداعيات من خلال تخفيض القروض المقدمة للاقتصادات المتلقية التي تقترض بالدولار الأمريكي. وتتفاقم هذه الآثار السلبية من جراء هشاشة التمويل بالدولار الأمريكي وارتفاع نسبة الأصول الدولارية من مجموع الأصول.

    غير أنه من الممكن تخفيف هذه الآثار باستخدام بعض العوامل المتعلقة بالسياسات، مثل ترتيبات خطوط تبادل العملات بين البنوك المركزية وحيازات الاحتياطيات الدولية لدى البنوك المركزية في اقتصادات الموطن. وبالإضافة إلى ذلك، يَخْلُص هذا الفصل إلى أن الأسواق الصاعدة كاقتصادات متلقية تتسم بحساسية خاصة تجاه انخفاض الإقراض الدولاري العابر للحدود لأن قدرتها محدودة على الاستعانة بمصادر أخرى للاقتراض بالدولار أو الاستعاضة عنه بعملات أخرى. وتسلط هذه النتائج الضوء على أهمية السيطرة على مكامن الخطر الناجمة عن التمويل الدولاري الذي تقدمه البنوك غير الأمريكية. ويمكن أن تساعد مقاييس هشاشة التمويل الدولاري التي يطرحها هذا الفصل على مراقبتها بشكل أفضل.