5 min (1403 words) Read

يمكن تعزيز التعاون بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بشأن المناخ من خلال تحسين الحوكمة في المؤسستين وزيادة وضوح أدوارهما ومسؤولياتهما

نجحت مؤسستا بريتون وودز، أي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، خلال العقود الأخيرة في المساهمة في تحقيق الاستقرار العالمي، والنمو الاقتصادي غير المسبوق، وتعزيز الرخاء، والحد من الفقر على نطاق واسع. ومع ذلك، يشكل تغير المناخ تحديا عالميا جديدا يتطلب استجابة عالمية في الوقت المناسب. وسوف يستغرق إنشاء مؤسسات جديدة متعددة الأطراف للتركيز على العمل المناخي وقتاً طويلاً للغاية. وهناك خيار أفضل يتمثل في تأهيل المؤسسات الموجودة لتنسيق الجهود العالمية لمكافحة الاحترار العالمي.

ومع ذلك، لا يجب أن تأتي هذه المهمة الإضافية المتعلقة بالمناخ على حساب المهام الأساسية لمؤسستي بريتون وودز المتمثلة في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والمالي في حالة صندوق النقد الدولي والتنمية المستدامة والحد من الفقر في حالة البنك الدولي. وعلاوة على ذلك، يجب على هاتين المؤسستين أن تتخذا ثلاث خطوات رئيسية تتعلق بالتمويل والحوكمة والمهام المنوطة بهما لتعزيز جهودهما بشأن المناخ.

وتعتمد هذه التوصيات على مطبوعة جديدة صادرة عن مجموعة العمل متعددة الأطراف المعنية بالإصلاح والمنبثقة عن لجنة بريتون وودز* بعنوان "تعزيز جهود البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لمواجهة التحديات العالمية في القرن الحادي والعشرين"، التي ساهمت فيها كرئيس مشارك مع جواكيم ليفي وسيدارث تيواري.

التمويل

إن العمل المناخي في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لن يتحقق دون مقابل. فهو يحتاج إلى موارد مالية إضافية كبيرة، وليس مجرد إعادة توجيه للموارد القائمة أو استنفاد هوامش الأمان المالي.

ويمثل "تسهيل الصلابة والاستدامة" الذي يتيحه صندوق النقد الدولي خير مثال على ذلك. فهو منهج مبتكر ينطوي على مقاصد حسنة لتمويل عمل صندوق النقد الدولي بشأن المناخ، ولكن إعادة توظيف مليارات الدولارات من حقوق السحب الخاصة "غير المستخدمة" للعمل المناخي يعني مواجهة مفاضلة غير مرغوبة بين العمل المناخي ومهمة الصندوق الأساسية. فتخصيص احتياطيات البنوك المركزية أو حقوق السحب الخاصة للعمل المناخي يمثل مشكلة أخرى.

وسيكون من الأنسب تمويل تسهيل الصلابة والاستدامة من خلال التزامات مالية جديدة من جانب ائتلاف من البلدان الراغبة في رعاية هذا العمل المناخي (وفي الوضع الأمثل، يمكن أن تشارك جميع البلدان الأعضاء في صندوق النقد الدولي من خلال مخصصات حصة كل منها). وسيكون التعامل مع أنشطة الصندوق المتعلقة بالمناخ اكثر اتساقاً في جميع البلدان الأعضاء في نهاية المطاف باعتبارها التزامات مالية على الحكومة العامة، وهو ما من شأنه أن يزيد رسميا ديون حكومة البلد المعني. إن العمل الذي يقوم به صندوق النقد الدولي والمتعلق بالمناخ ليس مسؤولية البنوك المركزية؛ وينبغي أن يُنظر إليه باستمرار كمهمة جديدة لصندوق النقد الدولي هدفها هو دعم السياسات البيئية في البلدان الأعضاء الممولة من خلال النفقات الحكومية العامة.

الحوكمة

لا بد أن يكون هناك فصل واضح بين المهام الإضافية المتعلقة بالمناخ التي يقوم بها صندوق النقد الدولي وتلك التي يقوم بها البنك الدولي من أجل تحقيق الفعالية. ويتعين تحقيق اتساق وثيق بين التزامات التمويل وصلاحيات اتخاذ القرار في كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. ورغم أن التنفيذ الفعال لسياسات المناخ ينبغي أن يقع على عاتق الإدارة العُليا لمؤسستي بريتون وودز، فإن الأعضاء المساهمين في هاتين المؤسستين في حاجة إلى صلاحيات اتخاذ القرار حتى تتحقق فعالية الإشراف والمراقبة على عمل الإدارة العُليا بشأن المناخ.

وفيما يتعلق بالمهمة الأساسية المتمثلة في التنمية المستدامة والحد من الفقر، تعمل لجنة التنمية في البنك الدولي كمجلس استشاري، يتألف عادة من وزراء المالية أو التنمية في البلدان الأعضاء. ويتمثل دور هذه اللجنة في تقديم المشورة والتوصيات لمجلسي مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بشأن قضايا وسياسات التنمية الحيوية.

وفيما يتعلق بجدول أعمال البنك الدولي بشأن المناخ، ينبغي أن تكون هناك لجنة موسعة بشأن التنمية والمناخ لتصبح هي الجهاز الحقيقي المعني باتخاذ القرار، بحيث يتمتع بصلاحيات مماثلة لتلك التي تتمتع بها الجمعية العامة للمساهمين في عالم الشركات. وينبغي أن يتألف هذا الجهاز الإشرافي من وزراء مالية البلدان الأعضاء وأن يتمثل دوره في الموافقة على المبادئ التوجيهية العامة الصادرة عن مؤسستي بريتون وودز بشأن العمل المناخي وتمويله والتعاون بشأنه.

وتمثل اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية الجهاز الاستشاري الرئيسي لصندوق النقد الدولي المعني بمهمته الأساسية بشأن الاستقرار المالي. وتتألف اللجنة من وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية من البلدان الأعضاء في صندوق النقد الدولي. ويتمثل دورها الأساسي في تقديم الإرشادات والمشورة بشأن القضايا النقدية والمالية الدولية الحيوية، مثل سياسات سعر الصرف، والاستقرار الاقتصادي العالمي، وسياسات صندوق النقد الدولي وعملياته.

وبالنسبة لجدول أعمال صندوق النقد الدولي بشأن المناخ، لابد من تكليف جهاز إداري جديد يُطلق عليه "مجلس صندوق النقد الدولي" بالإشراف على العمل المناخي الذي يقوم به كل من مجلس المحافظين والمجلس التنفيذي وتوجيهه. وينبغي أن يتألف من محافظ واحد من كل بلد عضو، عادة ما يكون وزير مالية البلد المعني. وينبغي لمجلس صندوق النقد الدولي أن يجتمع مرة واحدة سنويا على الأقل سنويا العمل المناخي الذي يقوم به الصندوق.

المهام

لمعالجة قضايا المناخ بصورة فعالة وقائمة على التعاون، يتعين على كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أن يركزا على ما اكتسباه من قوة وخبرة على مر التاريخ والاستفادة من خبراتهما العالمية التي امتدت ثمانين عاماً ويتمثل موطن القوة الرئيسي لكلتا المؤسستين من الناحية التاريخية في تقديم المشورة في مجال السياسات، وعادة ما تُقَدَّم هذه المشورة من أعلى إلى أسفل في مجال الاقتصاد الكلي بالنسبة لصندوق النقد الدولي ومن أسفل إلى أعلى في مجال دعم المشروعات في حالة البنك الدولي. وهناك مجال آخر من مجالات التأثير التاريخية لمؤسستي بريتون وودز هو المساعدة المالية، والإقراض التقليدي بشروط ميسرة وتخفيف أعباء الديون في صندوق النقد الدولي ومِنَح التنمية وتمويل المشروعات في البنك الدولي.

وفي مجال السياسات ذات الصلة بالمناخ، ينبغي لصندوق النقد الدولي أن يركز على المشورة بشأن السياسات الاقتصادية الكلية ودمج الاعتبارات المناخية في سياسات المالية العامة والسياسات النقدية وسياسات أسعار الصرف، وكذلك في تقييمات الاستقرار المالي الكلي. وينبغي للبنك الدولي أن يقدم المشورة بشأن سياسات التنمية المرتبطة بالمناخ والاستثمارات في البنية التحتية.

وفيما يتعلق بالمساعدات المالية المرتبطة بالمناخ، ينبغي لصندوق النقد الدولي أن يقدم قروضا بشروط ميسرة لمساعدة البلدان على معالجة التحديات المباشرة التي تواجه ميزان المدفوعات والمالية العامة والتي تفاقمت من جراء الصدمات المرتبطة بالمناخ. وينبغي للبنك الدولي أن يقوم بتعبئة التمويل اللازم للعمل المناخي من خلال الإقراض بشروط ميسرة والإقراض بشروط غير ميسرة والمنح والأدوات المالية المبتكرة لدعم المشروعات والبرامج ذات الصلة بالمناخ، وخاصة في البلدان منخفضة الدخل والبلدان المعرضة للمخاطر.

وقد اتخذ الصندوق والبنك خلال السنوات الأخيرة عدة خطوات لمعالجة تغير المناخ ودعم العمل المناخي.

فقام البنك الدولي بزيادة التمويل المقدم للمشروعات والمبادرات المتعلقة بالمناخ بشكل كبير، مع التركيز على مصادر الطاقة المتجددة، وكفاءة استخدام الطاقة، والنقل المستدام، والبنية التحتية المقاومة لتغير المناخ، وإدارة الموارد الطبيعية. وفي إطار استراتيجيته للتمويل المبتكر، يصدر البنك الدولي سندات خضراء لتمويل المشروعات والبرامج المراعية للمناخ، وتعبئة رؤوس الأموال من المستثمرين لمشروعات الطاقة المتجددة، وكفاءة استخدام الطاقة، والزراعة المستدامة، وغير ذلك من المبادرات المرتبطة بالمناخ. والأهم من ذلك أن البنك الدولي يقدم أيضًا المساعدة الفنية، والمشورة بشأن السياسات، والإقراض القائم على السياسات لمساعدة البلدان على تصميم آليات تسعير الكربون وتطبيقها، مثل ضرائب الكربون ونظم تداول الانبعاثات، لاستيعاب تكاليف انبعاثات الكربون وتعزيز التنمية منخفضة الكربون.

ويُجري صندوق النقد الدولي تقييمات للمخاطر المرتبطة بالمناخ التي تهدد استقرار الاقتصاد الكلي، والأنظمة المالية، والنمو الاقتصادي في البلدان الأعضاء، ويُجري تحليلات ويقدم توصيات على مستوى السياسات للتخفيف من هذه المخاطر. ويقدم الصندوق أيضاَ المشورة بشأن السياسات للبلدان الأعضاء فيما يتعلق بدمج الاعتبارات المناخية في جداول أعمال الإصلاحات المالية والنقدية والهيكلية الخاصة بها – مما يعزز استراتيجيات النمو منخفض الكربون وتدابير بناء الصلابة. ويدرج صندوق النقد الدولي المخاطر المرتبطة بالمناخ ضمن أنشطتة المتعلقة بالرقابة على القطاع المالي، وهو ما يسهم في تقييم مدى تعرض المؤسسات المالية لهذه المخاطر ويعزز التدابير الرامية إلى تدعيم صلابتها واستدامتها. ويدعم الصندوق تطوير أسواق التمويل الأخضر وأدواته، بما في ذلك السندات الخضراء، والتأمين ضد مخاطر المناخ، وآليات تسعير الكربون، لتعبئة استثمارات القطاع الخاص من أجل المشروعات والمبادرات المراعية للمناخ.

وقد بُذِل بالفعل كثير من الجهود في كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لمكافحة تغير المناخ، ومن شأن تحسين الحوكمة وزيادة وضوح الأدوار والمسؤوليات أن يجعلا دورهما أكثر فعالية. وفي نهاية المطاف، تقع المسؤولية عن العمل المناخي واسع النطاق على عاتق الأعضاء في مؤسستي بريتون وودز إذ يتعين عليهم المساهمة في الموارد المالية الإضافية اللازمة للتوسع في العمل المناخي اللازم والاستفادة منه في التغلب على أزمة المناخ.

* باللغة الإنجليزية

أكسيل فيبر رئيس مركز الدراسات المالية بجامعة غوته. وقد سبق له العمل في منصب رئيس البنك المركزي الألماني كما كان عضوا في مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي.

الآراء الواردة في هذه المقالات وغيرها من المواد المنشورة تعبر عن وجهة نظر مؤلفيها، ولا تعكس بالضرورة سياسة صندوق النقد الدولي.