تقرير الاستقرار المالي العالمي

هل النمو في خطر؟

أكتوبر 2017

عودة إلى أعلى

ملخص واف

مخاطر أقل على المدى القصير   

لا يزال النظام المالي العالمي يكتسب قوة متزايدة في استجابة للدعم الاستثنائي المستمد من السياسات والتعزيزات التنظيمية والصعود الدوري الذي يشهده النمو. ولا تزال صحة البنوك تحقق تحسنا مستمرا في كثير من الاقتصادات المتقدمة، حيث أُحرِز تقدم في تسوية أوضاع بعض البنوك الأضعف، بينما تعكف معظم المؤسسات المؤثرة على النظام المالي على تعديل نماذج عملها واستعادة ربحيتها. وكان انتعاش النشاط الاقتصادي العالمي، الذي يناقشه عدد أكتوبر 2017 من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي قد أعطى دفعة لثقة السوق مع وضع حد للمخاطر التي تهدد الاستقرار المالي على المدى القصير.


ولكن بخلاف هذه التحسينات الأخيرة، فإن بيئة التيسير النقدي المستمر – الضرورية لدعم النشاط ودفع التضخم – تؤدي أيضا إلى رفع تقييمات الأصول وزيادة نسب الرفع المالي. وقد بدأت المخاطر المحيطة بالاستقرار المالي تتحول من الجهاز المصرفي إلى القطاعات غير المصرفية والسوقية في النظام المالي. وتدعو هذه التطورات والمخاطر إلى تحقيق توازن دقيق في المسار نحو عودة السياسات النقدية العادية، مع تجنب تراكم المزيد من المخاطر المالية خارج القطاع المصرفي ومعالجة ما تبقى من مشكلات موروثة.   

وجهان لعودة السياسة النقدية العادية

يتنبأ السيناريو الأساسي للاقتصاد العالمي حسب رؤية البنوك المركزية والأسواق المالية باستمرار الدعم من السياسات النقدية التيسيرية، حيث يُتوقع ألا تتعافي معدلات التضخم إلا ببطء. ومن ثم، فإن العودة التدريجية للسياسات النقدية العادية من المرجح أن تستغرق عدة سنوات. أما السرعة المفرطة في استعادة السياسات العادية فمن شأنها إزاحة الدعم اللازم لاستمرار التعافي والارتفاع المنشود في معدل التضخم الأساسي عبر الاقتصادات الكبرى. وقد فرضت السياسات النقدية غير التقليدية والتيسير الكمي تعديلات كبيرة في محافظ القطاع الخاص وعبر الحدود، مما جعل التنبؤ بالتعديلات في الأسواق المالية أصعب مما كان في الدورات السابقة. وقد تتسبب التحولات المفاجئة أو سيئة التوقيت في اضطرابات غير مرغوبة في الأسواق المالية تتردد أصداؤها عبر الحدود والأسواق. ولكن طول فترة الدعم النقدي المتوخاة في الاقتصادات الكبرى قد يؤدي إلى تراكم مزيد من التجاوزات المالية. ومع كثافة السعي وراء العائد، يُلاحَظ انتقال مواطن الضعف إلى القطاع غير المصرفي، وتزايد المخاطر في الأسواق المالية. فهناك أموال طائلة تطارد بضعة أصول مدرة للعائد، إذ أن أقل من 5% (1.8 تريليون دولار) من رصيد الأصول ذات الدخل الثابت والدرجة الاستثمارية يدر حاليا أكثر من 4%، مقابل 80% (15.8 تريليون دولار) قبل الأزمة.


وتتزايد المبالغة في تقييمات الأصول في بعض الأسواق مع اضطرار المستثمرين للخروج من بيئة المخاطر التي اعتادوها، وقبول مستوى أعلى من مخاطر الائتمان والسيولة لتحقيق إيرادات أعلى.  


وفي نفس الوقت، هناك زيادة مستمرة في المديونية بين الاقتصادات العالمية الكبرى. فقد أصبح الرفع المالي في القطاع غير المالي أعلى مما كان عليه قبل الأزمة المالية العالمية في اقتصادات مجموعة العشرين ككل. وبينما ساعد ذلك على تيسير التعافي الاقتصادي، فقد زاد من تعرض القطاع غير المالي لمخاطر التغيرات في أسعار الفائدة. وأدت زيادة نسب الرفع المالي إلى ارتفاع نسب خدمة الدين في القطاع الخاص في العديد من الاقتصادات الرئيسية، رغم انخفاض مستوى أسعار الفائدة. ويؤدي هذا إلى استنزاف قدرة المقترضين الأضعف حالا على خدمة الديون في بعض البلدان والقطاعات. 


وقد بلغت ضغوط خدمة الدين ومستويات المديونية درجة كبيرة بالفعل في القطاع الخاص غير المالي في عدة اقتصادات كبرى (أستراليا وكندا والصين وكوريا)، مما يزيد من درجة حساسيتها لضيق الأوضاع المالية وضعف النشاط الاقتصادي.

وأبرز تحدٍ يواجه صناع السياسات هو ضمان احتواء التراكم الحادث في مواطن الضعف المالي بينما تظل السياسة النقدية داعمة للتعافي العالمي. وإذا لم يتسن ذلك، فإن ارتفاع أعباء الديون والمغالاة في تقييم الأصول قد يؤثرا على ثقة السوق في المستقبل، مما ينشئ تداعيات قد تعرض النمو العالمي للخطر. ويفحص هذا التقرير هذا السيناريو السلبي الذي تؤدي فيه إعادة تسعير المخاطر إلى ارتفاع حاد في تكاليف الائتمان وهبوط أسعار الأصول والانسحاب من الأسواق الصاعدة. 


وسيكون لضيق الأوضاع المالية العالمية أثرا اقتصاديا كبيرا (يصل في حدته إلى قرابة الثلث مقارنة بحدة تأثير الأزمة المالية العالمية) وأوسع نطاقا (حيث يهبط الناتج العالمي بنسبة 1.7% مقارنة بالسيناريو الأساسي في تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" مع تباين الآثار عبر البلدان). وفي هذا السيناريو، ينعكس مسار استعادة الأوضاع النقدية العادية في الولايات المتحدة بينما يتأخر في البلدان الأخرى. وسيكون الأثر غير متكافئ على اقتصادات الأسواق الصاعدة، إذ تنخفض تدفقات الحافظة بنسبة تُقَدَّر بنحو 100 مليار دولار على مدار أربع أرباع العام. وسيلحق أشد الضرر برأس المال المصرفي حيثما كان الرفع المالي في أعلى مستوياته والبنوك شديدة التعرض لمخاطر قطاعي الإسكان والشركات.          

الحد من الرفع المالي في الصين وتحديات المرحلة القادمة

ساعد النمو الثابت في الصين وتشديد السياسة المالية في أرباع السنة الأخيرة على تهدئة القلق بشأن تباطؤ النشاط الاقتصادي وانتقال التداعيات السلبية إلى الاقتصاد العالمي على المدى القصير. غير أن حجم النظام المالي في الصين ودرجة تعقده ووتيرة نموه، كلها يشير إلى تعرض الاستقرار المالي لمخاطر عالية. فقد ارتفعت أصول القطاع المصرفي من 240% من إجمالي الناتج المحلي في نهاية 2012 إلى 310% من إجمالي الناتج المحلي حاليا . وعلاوة على ذلك، زادت مواطن الضعف في البنوك بسبب الاستخدام المتزايد لتمويل الجملة و"ائتمان الظل" قصير الأجل للشركات. وتواجه السلطات مهمة تحقيق توازن دقيق بين تشديد سياسات القطاع المالي وبطء  النمو الاقتصادي الناتج عن ذلك. ذلك أن تخفيض نمو ائتمان الظل، وإن كان بدرجة محدودة، يؤثر على الربحية وتوفير الائتمان من البنوك الصغيرة والمتوسطة على نطاق أوسع. 

تحسن مستمر في صحة البنوك العالمية

لا تزال صحة البنوك المؤثرة على النظام المالي العالمي في تحسن مستمر. فقد أصبحت ميزانياتها العمومية أقوى بفضل تحسن احتياطيات رأس المال والسيولة في سياق تشديد القواعد التنظيمية وتكثيف التدقيق السوقي. وأُحْرِز تقدم كبير في معالجة القضايا الموروثة وتحديات إعادة الهيكلة. وفي نفس الوقت، بينما نجح العديد من البنوك في تعزيز ربحيته بتعديل نماذج العمل، فلا يزال العديد منها يصارع القضايا الموروثة وتحديات نماذج العمل المطبقة. وقد يستمر توليد عائدات غير قابلة للاستمرار، حتى في عام 2019، في البنوك التي تبلغ أصولها حوالي 17 تريليون دولار، أو حوالي ثلث الأصول الكلية للبنوك المؤثرة على النظام المالي العالمي. ونظرا لأن حدوث مشكلات حتى في بنك واحد من البنوك المؤثرة على النظام المالي العالمي يمكن أن يولد ضغوطا على النظام ككل، ينبغي أن يستمر تركيز الإجراءات الرقابية على مخاطر نماذج العمل والربحية القابلة للاستمرار. كذلك تواصل شركات التأمين على الحياة تطويع استراتيجيات العمل في ظل انخفاض العائد عقب الأزمة المالية العالمية، وهو ما حققته بالحد من المخاطر الموروثة، وتوجيه مزيج منتجاتها بعيدا عن العائدات المرتفعة المضمونة، والسعي لتحقيق عائدات أعلى في المحافظ الاستثمارية. وفي نفس الوقت، يتعين على الجهات الرقابية أن تتابع التعرض المتزايد لمخاطر السوق والائتمان.

على صناع السياسات اتخاذ إجراءات استباقية

يجب على صناع السياسات اغتنام فرصة تحسن الآفاق العالمية وتجنب الركون إلى التراخي عن طريق معالجة مواطن الضعف المتزايدة متوسطة الأجل.


وينبغي أن يعمل صناع السياسات والأجهزة التنظيمية على معالجة المشكلات الموروثة علاجا تاما وإلزام البنوك وشركات التأمين بتعزيز ميزانياتها العمومية في الاقتصادات المتقدمة. ويتضمن هذا تفعيل إطار لتسوية أوضاع البنوك الدولية، مع التركيز على المخاطر الناشئة عن ضعف نماذج العمل في البنوك من أجل ضمان استمرارية الربحية واستيفاء متطلبات بازل 3. وينبغي تعزيز الأطر التنظيمية لشركات التأمين على الحياة لزيادة الشفافية في إعداد التقارير وإعطاء حافز أكبر لبناء الصلابة. وهناك حاجة لاستجابة عالمية ومنسقة على مستوى السياسات لتحقيق الصلابة في مواجهة الهجمات الإلكترونية (راجع الإطار 1-2).


وينبغي أن تضمن البنوك المركزية الكبيرة عودة السياسة النقدية الطبيعية دون مشكلات من خلال الإفصاح الجيد عن خططها للتخلص من حيازتها من الأوراق المالية وتقديم الإرشاد المطلوب حول التغيرات المرتقبة في أطر السياسات. وسيساعد تقديم مسارات واضحة لتغييرات السياسة على تثبيت توقعات السوق والوقاية من الاضطرابات أو التقلبات السوقية المفرطة.  


وينبغي أن تعمم السلطات المالية تطبيق إجراءات السلامة الاحترازية الكلية، وأن تنظر في توسيع حدود هذه الأدوات لكبح الرفع المالي المتزايد واحتواء المخاطر المتزايدة على الاستقرار. فعلى سبيل المثال، ينبغي وضع و/أو تشديد الإجراءات القائمة على المقترض لإبطاء سرعة نمو قطاعات السوق المبالغ في تقييمها، كما يجب إجراء مزيد من التقييمات للأصول المتعثرة من خلال اختبارات تحمل الضغوط في البنوك. وينبغي زيادة رأس المال الإلزامي في البنوك الأكثر انكشافا للمقترضين المعرضين للمخاطر ليكون هامشا وقائيا من مواطن الانكشاف المتراكمة بالفعل وتحفيز البنوك على منح قروض جديدة للقطاعات الأقل تعرضا للمخاطر.


وينبغي تعزيز تنظيم القطاع المالي غير المصرفي للحد من هجرة المخاطر والتمويل المفرط من أسواق رأس المال. وينبغي التعجيل بالتحول إلى الرقابة القائمة على المخاطر، والإجراءات المنسقة لتنظيم شركات التأمين – مع التركيز على رأس المال. وينبغي تشديد شروط السلامة الاحترازية الجزئية وتطبيقها على قطاعات السوق شديدة الاعتماد على الرفع المالي.


ويجب معالجة أعباء الديون المفرطة – وخاصة بين كبار المقترضين باعتبارهم مصادر محتملة لنشأة الصدمات. ومما سيساعد على كبح المخاطرة المالية إبطال الحافز على مراكمة مزيد من الديون عن طريق إجراءات تشجع استثمارات قطاع الأعمال وتردع التمويل بالديون.


وينبغي أن تستمر اقتصادات الأسواق الصاعدة في الاستفادة من الأوضاع الخارجية الداعمة لتعزيز صلابتها، وذلك بسبل منها مواصلة تعزيز مراكزها الخارجية حيثما دعت الحاجة، والحد من الرفع المالي في قطاع الشركات حيثما كان مرتفعا. ومن شأن هذا أن يحقق لهذه الاقتصادات وضعا أفضل يكفل لها الصمود أمام انخفاض التدفقات الرأسمالية الداخلة نتيجة عودة السياسة النقدية العادية في الاقتصادات المتقدمة أو فتور الرغبة في المخاطرة على مستوى العالم. وبالمثل، ينبغي أن تسعى الأسواق الواعدة والبلدان منخفضة الدخل المقترضة إلى تطوير قدراتها المؤسسية للتعامل مع المخاطر الناشئة عن إصدار الأوراق المالية القابلة للتداول، وهو ما يشمل مثلاً وضع استراتيجيات شاملة لإدارة الديون على المدى المتوسط. وسيمكِّنها ذلك من الاستفادة من تطور السوق المالية على نطاق أوسع وزيادة فرص الوصول إليها، مع احتواء المخاطر المصاحبة.


وفي الصين، اتخذت السلطات خطوات جديرة بالترحيب لمعالجة المخاطر في النظام المالي، ولكن أمامها المزيد من العمل في هذا الخصوص. فمن الصعب معالجة مواطن الضعف دون إبطاء النمو الائتماني. وقد اعتمدت مؤخرا سياسات لتحسين إدارة المخاطر وزيادة شفافية الجهاز المصرفي والحد من تراكم مخاطر تحويل آجال الاستحقاق والسيولة في أنشطة ائتمان الظل المصرفي، وهي سياسات ضرورية ويجب أن تستمر. غير أن السياسات ينبغي أن تستهدف أيضا مواطن الضعف في الميزانيات العمومية لدى البنوك الضعيفة. ومما يستحق الترحيب أن الحكومة ملتزمة بالحد من نسب الرفع المالي في قطاع الشركات وينبغي أن يظل هذا الالتزام من أولوياتها في إطار الجهود المبذولة على نطاق أوسع لحماية الاقتصاد من تباطؤ نمو الائتمان.

ورغم التقدم الكبير في تحديد استجابة السياسات اللازمة في مرحلة ما بعد الأزمة، فلا يزال التقدم متفاوتا بين القطاعات المختلفة، مع وجود عدة قضايا لا تزال عالقة فيما يخص التصميم والتنفيذ. ومن الضروري التأكد من استكمال إجراءات الإصلاح وتنفيذها للحد من احتمال وقوع أزمة مربكة أخرى. ومن شأن استكمال جدول أعمال الإصلاح أن يتيح لصناع السياسات إجراء تقييم شامل لتأثير الإصلاحات والقيام بضبط دقيق للإجراءات المتفق عليها، مما سيسمح لهم بمعالجة أي آثار مادية غير مقصودة قد تنشأ من التطبيق التراكمي لهذه الإجراءات وتؤثر على توفير الخدمات المالية الأساسية. ويكتسب هذا الأمر أهمية بالغة في تقديم تطمينات مستمرة بأن الإصلاحات حققت أهدافها وفي تجنب أي ضغوط قد تنشأ لسحب هذه الإجراءات، الأمر الذي لن يترتب عليه سوى زيادة تعرض النظام المالي للخطر.  


وأخيرا، فإن تنفيذ الإصلاحات الهيكلية وسياسات المالية العامة الداعمة (على النحو الذي يتناوله إطار السيناريو 1 في عدد أكتوبر 2017 من تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي") سيرفع معدلات النمو العالمي ويولد تداعيات اقتصادية إيجابية، مما يعزز الجهود المبذولة على صعيد السياسات المالية.        

ديون الأسر والنمو الاقتصادي

يبحث الفصل الثاني انعكاسات المدى القصير والمتوسط لارتفاع ديون الأسر خلال العقود الماضية على النمو الاقتصادي والاستقرار المالي. ويوثق الفصل فروقا كبيرة بين نسب ديون الأسر إلى إجمالي الدين المحلي عبر البلدان، وإن كان يرصد أيضا وجود اتجاه عام متصاعد شهد بعض التراجع ولكنه لم يتخذ مسارا مختلفا بفعل الأزمة المالية العالمية. فمع بعض الاستثناءات البارزة سجلت الاقتصادات المتقدمة ارتفاعا تدريجيا في نسبة دين الأسر إلى إجمالي الناتج المحلي من 35% في 1980 إلى حوالي 65% في 2016، واستمر هذا الارتفاع منذ الأزمة المالية العالمية وإن سار بوتيرة أبطأ. وفي اقتصادات الأسواق الصاعدة، لا تزال النسبة أقل بكثير، ولكنها ارتفعت بوتيرة أسرع نسبيا على مدار فترة زمنية أقصر من 5% في 1995 إلى حوالي 20% في 2016. وبالإضافة إلى ذلك، استمر الارتفاع دون توقف يُذكر في السنوات الأخيرة. ويخلُص هذا الفصل إلى وجود مفاضلة بين مكاسب النمو قصيرة الأجل التي يحققها ارتفاع ديون قطاع الأسر من ناحية، والمخاطر التي تهدد الاستقرار الاقتصادي الكلي والمالي على المدى المتوسط وقد تفضي إلى تراجع معدلات النمو والاستهلاك وتوظيف العمالة وزيادة التعرض لمخاطر الأزمات المصرفية من ناحية أخرى.


وتشتد حدة هذه المفاضلة كلما ارتفعت ديون الأسر، ويمكن تخفيفها باستخدام المزيج السليم من السياسات والمؤسسات والقواعد التنظيمية. ويشمل هذا تطبيق سياسات ملائمة للسلامة الاحترازية الكلية والقطاع المالي، وتحسين الرقابة المالية، وتخفيض الاعتماد على التمويل الخارجي، واعتماد أسعار صرف مرنة، والحد من عدم المساواة في توزيع الدخل.   

الأوضاع المالية يمكنها التنبؤ بالنمو

أدرك صناع السياسات من واقع الأزمة المالية العالمية أن الأوضاع المالية السائدة تتيح معلومات قيمة عن المخاطر التي تواجه النمو المستقبلي وتوفر أساسا لاتخاذ إجراءات وقائية موجَّهة. ويضع الفصل الثالث مقياسا اقتصاديا كليا جديدا للاستقرار المالي يربط بين الأوضاع المالية و توزيع احتمالات نمو إجمالي الناتج المحلي في المستقبل ويطبقه على مجموعة تضم 21 اقتصادا من كبرى الاقتصادات المتقدمة والأسواق الصاعدة. ويوضح الفصل أن تغيرات الأوضاع المالية تُحْدِث تحولا في توزيع نمو إجمالي الناتج المحلي المستقبلي ككل. ويشكل اتساع فروق العائد المرتبطة بالمخاطر، وزيادة تقلب أسعار الأصول، وتراجع الإقبال على المخاطر في العالم، عوامل مهمة للتنبؤ بزيادة مخاطر التطورات السلبية التي تواجه النمو في المدى القصير، بينما تمثل زيادة نسب الرفع المالي ونمو الائتمان إشارات مهمة لهذه المخاطر على المدى المتوسط. والوضع السائد اليوم الذي يتسم بتكاليف التمويل ودرجات التقلب المنخفضة في الأسواق المالية يدعم النظرة المتفائلة للمخاطر التي تواجه الاقتصاد العالمي على المدى القصير. لكن تزايد نسب الرفع المالي تدل على احتمال التعرض لمخاطر لاحقة، في حين أن سيناريو الاتساع السريع لفروق العائد مع زيادة التقلب يمكن أن يفضي إلى تفاقم شديد في المخاطر المحيطة بآفاق النمو العالمي. وبإجراء تحليل استرجاعي في الوقت الحقيقي لأحداث الأزمة المالية العالمية، يتبين أن نماذج التنبؤ المعززة بالأوضاع المالية كان يمكن أن تشير إلى احتمالات أكبر للانكماش الاقتصادي اللاحق مقارنةً بالنماذج التي تعتمد بشكل حصري على أداء النمو في الآونة الأخيرة. ويؤكد هذا أن المنهج التحليلي الذي وضعه هذا الفصل يمكن أن يكون إضافة مفيدة لمجموعة الأدوات التي يستخدمها صناع السياسات في أعمال الرقابة الاقتصادية الكلية/المالية.

عودة إلى أعلى

ﻤﻠﺨص اﻟﻔﺼل اﻟﺜﺎﻨﻲ: دﯿون اﻷﺴر واﻻﺴﺘﻘرار اﻟﻤﺎﻟﻲ 

يشيع الاعتقاد بأن التمويل يساهم في زيادة النمو الاقتصادي على المدى الطويل، لكن أحدث الدراسات تشير إلى أن مكاسب النمو تبدأ في الانحسار مع زيادة نسب الرفع المالي الكلية. ففي ظل معدلات تواتر الدورات الاقتصادية، قد تؤدي زيادة الائتمان المقدم للقطاع الخاص، بما في ذلك ديون الأسر، إلى زيادة احتمالات الأزمات المالية وتراجع النمو، وفقا للدراسات التجريبية الجديدة - والخبرات الأخيرة المكتسبة من الأزمة المالية العالمية.


وعلى المستوى العالمي، استمر نمو ديون قطاع الأسر خلال العقد الماضي. ويلقي هذا الفصل نظرة شاملة على العلاقة بين ديون الأسر والنمو والاستقرار المالي في عينة تضم 80 اقتصادا من الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة. وإلى جانب تحليل المجملات الاقتصادية الكلية، يتعمق الفصل في استكشاف البيانات الاقتصادية الجزئية المتعلقة بقروض الأسر المنفردة، لإلقاء مزيد من الضوء على تأثير مديونية الأسر على النمو والاستقرار الكليين.


ويخلص الفصل إلى وجود مفاضلة بين مكاسب النمو قصيرة الأجل التي يحققها ارتفاع ديون قطاع الأسر من ناحية، وما ينشأ عن هذا الارتفاع من تكاليف متوسطة الأجل على الاقتصاد الكلي والاستقرار المالي من ناحية أخرى. فعادة ما يرتفع النمو الاقتصادي وتنخفض البطالة على المدى القصير كلما زادت نسبة دين الأسر إلى إجمالي الناتج المحلي، ولكن هذه الآثار تزول خلال ثلاث إلى خمس سنوات. كذلك يساهم ارتفاع نمو دين الأسر في زيادة احتمالات الأزمات المصرفية. وتشتد وطأة هذه الآثار السلبية كلما ارتفعت ديون الأسر، ولذلك فهي أكثر وضوحا في الاقتصادات المتقدمة منها في اقتصادات الأسواق الصاعدة حيث نجد ديون الأسر أقل حجما والمشاركة في سوق الائتمان أكثر انخفاضا.


غير أن خصائص البلدان ومؤسساتها يمكن أن تخفف حدة المخاطر المصاحبة لارتفاع ديون الأسر. فحتى في البلدان التي تتسم بارتفاع الدين في هذا القطاع، يمكن تخفيف حدة المفاضلة بين النمو والاستقرار إلى حد كبير باستخدام المزيج السليم من المؤسسات والقواعد التنظيمية والسياسات. وعلى سبيل المثال، يمكن تخفيف أثر تزايد دين الأسر على المخاطر المحيطة بالنمو إذا تم تحسين التنظيم والرقابة في القطاع المالي، وتخفيض الاعتماد على التمويل الخارجي، واعتماد أسعار صرف مرنة، والحد من عدم المساواة في توزيع الدخول.


وبوجه عام، ينبغي لصناع السياسات تحقيق توازن دقيق بين المنافع والمخاطر المصاحبة لديون الأسر عبر الآفاق الزمنية المختلفة، مع الاستفادة من منافع الشمول والتطور الماليين.

عودة إلى أعلى

ﻤﻠﺨص اﻟﻔﺼل اﻟﺜﺎﻟث: المخاطر على الأوضاع المالية والنمو

التغيرات التي تطرأ على حالة النظام المالي يمكن أن تصدر إشارات قوية للمخاطر التي سيتعرض لها النشاط الاقتصادي في المستقبل. ومثلما حدث في الفترة التي سبقت الأزمة المالية العالمية، غالبا ما تزداد مواطن الضعف المالي - أي مدى مساهمة الاحتكاكات المالية في تضخيم الأثر السلبي للصدمات على النشاط الاقتصادي - في ظل الأوضاع الاقتصادية القوية عندما يتوافر التمويل على نطاق واسع وتبدو المخاطر القائمة محدودة. وإذا ارتفعت مواطن الضعف المذكورة إلى مستوى كافٍ، تتولد عنها مخاطر سلبية كبيرة تهدد الاقتصاد. وعلى ذلك، فإن تتبُّع تطورات الأوضاع المالية يمكن أن يوفر لصناع السياسات معلومات قيمة عن المخاطر التي تواجه النمو المستقبلي، وهو ما يشكل أساسا لاتخاذ إجراءات وقائية موجَّهة.  


ويضع هذا الفصل مقياسا اقتصاديا جديدا للاستقرار المالي يربط بين الأوضاع المالية وتوزيع احتمالات نمو إجمالي الناتج المحلي المستقبلي، مع تطبيق المقياس على مجموعة من كبرى الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة.


وقد وضع هذا الفصل منهجا تحليليا يمكن أن يكون إضافة مفيدة إلى مجموعة الأدوات التي يستخدمها صناع السياسات في أعمال الرقابة الاقتصادية الكلية/المالية. ويوضح الفصل أن التغيرات في الأوضاع المالية تُحْدِث تحولا في توزيع نمو إجمالي الناتج المحلي في المستقبل. وفي حين أن اتساع فروق العائد المرتبطة بالمخاطر، وزيادة التقلب في أسعار الأصول، وتراجع الإقبال على المخاطر تمثل جميعا أدوات مهمة للتنبؤ بفترات الهبوط الاقتصادي الكلي الكبير في الأجل القريب، فإن زيادة الرفع المالي ونمو الائتمان يصدران إشارة أهم لما يواجه نمو إجمالي الناتج المحلي من احتمالات سلبية على المدى المتوسط.  


ومن ثم، فإن انخفاض تكاليف التمويل وتَراجُع درجة التقلب في الأسواق المالية في هذه الآونة يدعمان النظرة المتفائلة للمخاطر التي تواجه الاقتصاد العالمي على المدى القصير. ولكن زيادة نسب الرفع المالي ترسل إشارة للمخاطر المحتملة في المستقبل. أما سيناريو اتساع فروق العائد بوتيرة سريعة وزيادة تقلب الأسواق المالية فيمكن أن يفضي إلى تفاقم شديد في المخاطر المحيطة بآفاق النمو العالمي. وتؤكد هذه النتائج أهمية استمرار صناع السياسات في توخي اليقظة البالغة لأي مخاطر تواجه النمو في ظل الأوضاع المالية المواتية التي قد تتيح أرضا خصبة لتراكم مواطن الضعف المالي.   


وبإجراء تحليل استرجاعي في الوقت الحقيقي لأحداث الأزمة المالية العالمية، يتبين أن نماذج التنبؤ المعززة بالأوضاع المالية كان يمكن أن تشير إلى احتمالات أكبر للانكماش الاقتصادي اللاحق مقارنةً بالنماذج التي تعتمد بشكل حصري على أداء النمو في الآونة الأخيرة.


ويمكن أن يكون تحسين القدرة على التنبؤ بالانكماش الاقتصادي الحاد، حتى وإن شمل آفاقا زمنية قصيرة، عاملا مهما في وضع سياسات نقدية وسياسات لإدارة الأزمات في الوقت المناسب. ومما يمكن أن يساعد في تصميم قواعد السياسة اللازمة لمعالجة مواطن الضعف المالي أولاً بأول أن تتوافر القدرة على اشتقاق معلومات تغطي أفقا زمنيا أطول من خلال أسعار الأصول ومجملات الائتمان. ويدل ثراء النتائج التي استخلصها التحليل من مختلف البلدان على وجود مجال واسع أمام صناع السياسات لزيادة تطويع المنهج العام المستخدم في هذا الفصل بما يتلاءم مع الظروف القُطْرية الخاصة، ومن أهمها التغيرات الهيكلية في الأسواق المالية والاقتصاد العيني.