مصر تعتمد منهجا استباقيا للحد من تداعيات الجائحة
9 يوليو 2020
كجزء من طلب مصر المقدم على مرحلتين للحصول على تمويل من الصندوق لمواجهة جائحة كوفيد-19، تمت الموافقة على قرض قيمته 5,2 مليار دولار أمريكي بموجب اتفاق للاستعداد الائتماني (SBA) مدته 12 شهرا. ويأتي هذا التمويل بموجب اتفاق الاستعداد الائتماني في أعقاب الموافقة في مايو الماضي على إتاحة 2,8 مليار دولار لمصر من خلال "أداة التمويل السريع". وتهدف الإصلاحات إلى حماية المكتسبات الاقتصادية المحققة في الأربع سنوات الأخيرة ودفع الإصلاحات الهيكلية الأساسية مع حماية فئات السكان المعرضة للتأثر.
كانت مصر واحدة من أسرع الأسواق الصاعدة نموا قبل ظهور الجائحة. ولكن الاضطرابات المحلية والعالمية الكبيرة التي أسفرت عنها الجائحة أثرت على الآفاق وغيرت أولويات السياسات.
وفي حوار أجراه فريق بلدان في دائرة الضوء، ناقشت السيدة أوما راماكريشنان، رئيس بعثة الصندوق لمصر، ما يواجه البلاد من تحديات اقتصادية.
ما تأثير جائحة كوفيد-19 على الاقتصاد المصري؟
مثلما هو الحال مع البلدان الأخرى، هناك تأثير على الاقتصاد المصري سواء من خلال إجراءات احتواء الفيروس أو التوقف المفاجئ في حركة السياحة، وهبوط الصادرات، وانخفاض تحويلات العاملين في الخارج، وانخفاض إيرادات قناة السويس. كذلك تعرضت مصر لخروج تدفقات رأسمالية قدرها حوالي 16 مليار دولار، في ذروة التوجه العالمي لتجنب المخاطر خلال شهري مارس وإبريل. وقد فرض اقتران هذين العاملين ضغوطا كبيرة على ميزان المدفوعات - رغم تعويض جزء من هذا التأثير من خلال هبوط الواردات المترتب على انخفاض الطلب المحلي. ومع ركود الاقتصاد العالمي وتقلص النشاط المحلي، من المتوقع أن يسجل النمو انخفاضا ملحوظا. وبالإضافة إلى ذلك، هناك تراجع في الإيرادات بينما تحتاج الحكومة إلى زيادة عاجلة في الإنفاق على الصحة والحماية الاجتماعية.
كيف سيساعد دعم الصندوق على الحد من هذا التأثير؟
للتعامل مع تداعيات الجائحة، اتخذت السلطات منهجا استباقيا بطلب الدعم من الصندوق على مرحلتين. كانت الأولى حين طلبت تمويلا بقيمة 2,8 مليار دولار أمريكي من خلال أداة التمويل السريع، وهو ما تمت الموافقة عليه في مايو، حتى تتمكن من مواجهة الإنفاق الصحي والاجتماعي اللازم للفئات الأكثر عرضة للتأثر. أما الثانية فتمثلت في طلب اتفاق للاستعداد الائتماني (SBA) يتيح تمويلا بقيمة 5,2 مليار دولار أمريكي لمساعدة الحكومة على الاحتفاظ بالمكتسبات الاقتصادية التي تحققت في الأربع سنوات الماضية – مع الاستمرار في ضمان الإنفاق الصحي والاجتماعي الملائم – وإعطاء دفعة إضافية للإصلاحات الهيكلية بما يضع مصر على مسار التعافي المستمر.
كيف ستحمي مصر شرائح السكان الفقيرة والمعرضة للتأثر؟
تولي الحكومة أولوية قصوى لأرزاق الموطنين وحسن أحوالهم كما يتبين من منهجها الذي يركز على ثلاثة أبعاد:
أولا، أُجريت زيادة كبيرة في مخصصات الإنفاق الصحي منذ بداية الجائحة، وتم توسيع تغطية برنامجي تكافل وكرامة اللذين يقدمان تحويلات نقدية مشروطة. وبالإضافة إلى ذلك، استحدثت الحكومة برامج جديدة لتقديم التحويلات النقدية للعمالة غير المنتظمة التي وقع عليها ضرر بالغ من الأزمة، وتوزيع المستلزمات الطبية والصحية على القرى الفقيرة. كذلك تعمل الحكومة مع منظمات المجتمع المدني لتقديم دعم إضافي للمحتاجين.
ثانيا، لضمان استمرار توفير الحماية الاجتماعية الضرورية، تعهدت الحكومة بحد أدنى من الإنفاق على البرامج الصحية والاجتماعية حتى تتوافر الموارد المطلوبة لهذه الخدمات الأساسية.
ثالثا، ستجري الحكومة مراجعة للإنفاق الاجتماعي – مع التركيز في البداية على الحماية الاجتماعية، ثم الصحة والتعليم – لتقييم مدى كفاية الإنفاق ودرجة كفاءته وتحديد المجالات التي تتطلب التحسين. وستكون هذه المراجعة بدعم من البنك الدولي.
ما إجراءات السياسة التي ستتخذها مصر في ظل اتفاق الاستعداد الائتماني للعمل على ضمان التعافي المستدام؟
هدف الحكومة هو وضع مصر على مسار قوي نحو التعافي. ويجري اتخاذ إجراءات تيسيرية من خلال سياسة المالية العامة لدعم الاقتصاد وتلبية الاحتياجات المترتبة على الأزمة، بما في ذلك الإنفاق الصحي (26%) والحماية الاجتماعية (10%). وتعمل الحكومة أيضا على تطبيق إجراءات لتعويض جانب من النقص في الإيرادات، بما في ذلك تشجيع التعافي الأخضر من خلال رسم على استهلاك منتجات الوقود.
ولكن يتعين الموازنة بين الإنفاق المطلوب لمواجهة الأزمة من ناحية وضرورة تجنب الزيادة المفرطة في الدين العام من ناحية أخرى. وبمجرد بدء التعافي، تهدف الحكومة إلى استئناف تخفيض الدين والحفاظ على استدامة المالية العامة على المدى المتوسط. ولتحقيق هذا الهدف، تقوم السلطات بتحديث استراتيجية الدين للحد من مواطن التعرض لمخاطر الدين كما تعمل على تعبئة الإيرادات الإضافية اللازمة لمواجهة زيادة الإنفاق الاجتماعي.
والسلطات ملتزمة بالحفاظ على معدل تضخم منخفض ومستقر، وعلى مرونة سعر الصرف، والسماح بتعديلات في سعر الصرف على نحو منظم. ولا تزال الأولويات تتضمن الحفاظ على استقرار القطاع المالي مع استمرار الرقابة القوية والرصد الحثيث لما قد ينشأ من مخاطر مالية.
وقد تعهدت السلطات أيضا بمواصلة الإصلاحات الهيكلية التي بدأت في ظل "تسهيل الصندوق الممدد". وعلى وجه التحديد، سيتم تحسين عملية الميزانية، وتسليط مزيد من الضوء على العمليات المالية للمؤسسات المملوكة للدولة والسلطات الاقتصادية، وتعزيز المنافسة بالعمل على تهيئة ظروف تتيح التنافس على قدم المساواة، وتعديل قانون الجمارك لتحسين مناخ الاستثمار في مصر.
كيف ساعدت الإصلاحات السابقة مصر على تجاوز تحديات الأزمة الحالية؟
ساهم برنامج الإصلاح الاقتصادي الجريء الذي اعتمدته مصر منذ عام 2016 مساهمة كبيرة في تعزيز صلابة الاقتصاد. فكان النمو الاقتصادي قبل الجائحة أكثر من 5%، والاحتياطيات الدولية في مستوى مريح، والدين في مسار هبوطي. وكانت الحكومة قد شرعت في إصلاحات إضافية لتعزيز بيئة الأعمال واعتماد نموذج للنمو بقيادة القطاع الخاص من أجل زيادة خلق الوظائف. وقد سمحت هذه الخطوات للحكومة بإطلاق استجابة سريعة وشاملة للجائحة. ولكن هناك تحديات باقية رغم التقدم الملموس في تخفيض الفقر وعدم المساواة.
ما الإجراءات التي سيتم اتخاذها لضمان استخدام الإنفاق المرتبط بالأزمة في الغرض المقصود منه؟
الحكومة ملتزمة بنشر التفاصيل الكاملة للإنفاق المتعلق بالأزمة، وذلك على نحو مجمَّع في موقع وزارة المالية على شبكة الإنترنت. وستنشر بالمثل خطط المشتريات الحكومية والعقود المرساة في سياق الاستجابة السريعة لجائحة كوفيد-19، بما في ذلك أسماء الشركات المعنية ومعلومات عن ملاكها المستفيدين. وسيقوم الجهاز المركزي للمحاسبات بتدقيق التدفقات الداخلة والإنفاق الموَجَّهَين لتخفيف الأزمة، ونشر النتائج بعد نهاية السنة المالية.