5 min (1403 words) Read

البلدان يمكنها التصدي للتحديات الاقتصادية العالمية بشكل أفضل بمساعدة من الأصل الاحتياطي العالمي لصندوق النقد الدولي.

أود أن أتوجه بالتهنئة للبلدان الأعضاء في صندوق النقد الدولي وخبرائه وقيادته بمناسبة الذكرى الثمانين لتأسيسه في بريتون وودز بولاية نيوهامبشير. فالصندوق هو جوهرة التاج في البنيان الدولي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وقد صممه مجموعة من الأشخاص المثاليين الذين عقدوا العزم على إنشاء مجموعة من المؤسسات لردع العدوان بين القوى الكبرى والحيلولة دون العودة إلى النزعة الاقتصادية والمالية الأحادية.

ويتمثل الغرض الأساسي من إنشاء صندوق النقد الدولي، وفقا لاتفاقية تأسيسه، في تشجيع التعاون النقدي الدولي عن طريق توفير "آلية للتشاور والتعاون بشأن المشكلات النقدية الدولية." وفي الفترة المضطربة التي أعقبت نهاية قابلية تحويل الدولار الأمريكي إلى الذهب في أغسطس 1971، أظهرت البلدان الأعضاء ذلك المبدأ، وسرعان ما أتمت اتفاقية "سميثسونيان" في ديسمبر من العام نفسه. وعلى الرغم من ذلك، لم تصمد القيم الاسمية الجديدة التي حددتها الاتفاقية بهدف تثبيت أسعار العملات مقابل الدولار. وخلال عامين، تفكك نظام سعر الصرف الذي أنشأته اتفاقية بريتون وودز إلى نظام سعر الصرف المعوَّم المدار. إلا أن أعضاء الصندوق تعاونوا في تحقيق التحول إلى ذلك النظام، وحافظوا على مبدأ سياسات سعر الصرف بوصفه محور تركيز يحظى باهتمام مشترك، وهو ما ترتكز عليه وظيفة الرقابة التي يمارسها صندوق النقد الدولي في يومنا هذا.

وبالإضافة إلى مراقبة أسعار الصرف والسياسات الأخرى التي تطبقها البلدان الأعضاء، يضطلع صندوق النقد الدولي بدور محوري في إدارة الأزمات، مستفيدا في ذلك بما يتمتع به خبراؤه من تجارب وخبرات عملية. ويعد المخزون المسبق من الموارد المالية المتاحة للصندوق عنصرا أساسيا في الاضطلاع بهذا الدور. وعندما يكون بلد عضو في حاجة إلى مساعدة مالية، فإنه يمكن توفيرها من دون الاضطرار إلى جمع تبرعات.

ويتمثل العنصر الأساسي لنجاح صندوق النقد الدولي في أول ثمانية عقود من تأسيسه في تطوره الذي لا يتوقف. ولم يكن هاري ديكستر وايت وجون مينارد كينز ليتمكنا من التعرف على الصندوق اليوم. فقد ساندت قيادات الصندوق وأعضاؤه الابتكار في التصدي للتحديات الجديدة. ويجب على الصندوق وبلدانه الأعضاء ألا يتحركوا دون إحراز أي تقدم، فالتطور المستمر أمر بالغ الأهمية لمواصلة تحقيق النجاح. وتشكل الحوكمة أكثر التحديات جسامة. وتتمثل أكثر الفرص جاذبية في الأصل الاحتياطي العالمي لدى الصندوق، ألا وهو حقوق السحب الخاصة.

تحدي الحوكمة

عملت الولايات المتحدة وأوروبا تدريجيا على تخفيف العرف المتبع المتمثل في أنه ينبغي أن يكون مدير عام الصندوق رجلا أوروبيا، وأن يكون النائب الأول للمدير العام رجلا أمريكيا، وأن يكون رئيس البنك الدولي أيضا رجلا أمريكيا. إلا أن ذلك التحول غير مكتمل. ويتمثل تحدٍ أكبر جسامة في استمرار قدرة بلدان معينة (الولايات المتحدة) أو مجموعة بلدان (البلدان الأوروبية) على وقف القرارات بالغة الأهمية التي يتخذها الصندوق، ورغبة بلدان أخرى (الصين) في الانضمام إلى هذا الأمر.

ولما يزيد على عِقد من الزمان، تحدثت داخل أروقة الحكومة الأمريكية عن معارضتي استخدام الولايات المتحدة حق النقض للقرارات الكبرى التي يتخذها الصندوق، وكان ذلك هو محور حديثنا عندما طلبنا أن يوافق الكونغرس على زيادة حصتنا في عضوية الصندوق أو الالتزام بالاتفاقات الجديدة للاقتراض. فقد شهد الاقتصاد العالمي توسعا بوتيرة أسرع من الاقتصاد الأمريكي، ومن ثم، فإن الأساس المنطقي الفني والمتعلق بالسياسات للهيمنة الأمريكية يزداد هشاشة. وقد ذكَّرت أيضا زملائي في وزارة الخزانة الأمريكية بأنه إن لم نتمكن من إقناع عدة بلدان أخرى بمساندة موقفنا، فإنه من المحتمل ألا يكون صحيحا. ويعرب تشارلز دالارا، المدير التنفيذي الأمريكي لصندوق النقد الدولي في الثمانينيات، عن وجهة نظر مماثلة حيث يقول: "سرعان ما تعلمت أن بناء توافق في الآراء بين المديرين متشابهي التفكير هو مفتاح تحقيق الفعالية في تمثيل المصالح الأمريكية."

ويتمثل الحل لهذه المشكلة الشائكة في صفقة كبرى تضم الولايات المتحدة وأوروبا والصين واليابان. ويجب على قيادات صندوق النقد الدولي وكبار أعضائه اليوم حشد الطموح والخيال من أجل صياغة تلك الصفقة.

فرصة حقوق السحب الخاصة

منذ ما يزيد على خمسين عاما، وافقت البلدان الأعضاء على التعديل الأول لاتفاقية تأسيس صندوق النقد الدولي الذي يفوض الصندوق سلطة توزيع حقوق السحب الخاصة. وقد استمرت المفاوضات على مدى فترة طويلة من حقبة الستينيات. وجاءت النتيجة في شكل حل وسط معقد للتوفيق بين وجهات نظر راسخة بشأن أفضل السبل للحفاظ على نظام بريتون وودز.

وتجدر الإشارة إلى أنه يتم توزيع حقوق السحب الخاصة بالتناسب مع حصص العضوية في صندوق النقد الدولي. ويحصل كل بلد عضو على أصل احتياطي مدر للفائدة، وخصم مقابل على المدى الطويل يدفع عنه سعر الفائدة نفسه. وتستند قيمة حقوق السحب الخاصة إلى سلة عملات ذات أوزان مرجحة بصفة دورية من المجلس التنفيذي للصندوق. وسعر الفائدة الخاص بها عبارة عن متوسط مرجح لأسعار الفائدة الحكومية قصيرة الأجل للعملات الرئيسية. ويضيف توزيع حقوق السحب الخاصة إلى السيولة غير المشروطة لدى البلد العضو. وبخلاف السيولة غير المشروطة الناتجة عن الاقتراض أو فوائض الحساب الجاري، تكون السيولة بلا تكاليف إلى أن يتم تحويل حقوق السحب الخاصة إلى حائز آخر.

وثبت أن التوزيع الأولي لحقوق السحب الخاصة سنويا على مدى فترة ثلاث سنوات بدءا من عام 1969 لم يكن كافيا لإنقاذ نظام سعر الصرف الذي وضعته اتفاقية بريتون وودز، بل وجاء بعد فوات الأوان، إلا أنه كان مثالا رائدا وتاريخيا للتعاون النقدي الدولي. ولم يحافظ التعديل الثاني لاتفاقية تأسيس صندوق النقد الدولي، في عام 1978، على سلطة الصندوق لتوزيع حقوق السحب الخاصة فحسب، بل وأنشأ التزاما من شقين للأعضاء للتعاون بشأن "تحسين الرقابة الدولية على السيولة الدولية" و"جعل وحدة حقوق السحب الخاصة هي الأصل الاحتياطي الرئيسي في النظام النقدي الدولي." وثبت أن كلا عنصري الالتزام طموحان أكثر من كونهما عمليين.

وكان هناك تفويض بتوزيع ثانٍ لحقوق السحب الخاصة لفترة ثلاث سنوات من 1979 إلى 1981 بعد تعديل اتفاقية تأسيس الصندوق وبدء العمل بنظام سعر الصرف المعوَّم. ثم ظلت حقوق السحب الخاصة في خزانة الصندوق لمدة 30 عاما حتى عام 2009، عندما وزَّع الصندوق حقوق سحب خاصة بقيمة 250 مليار دولار خلال الأزمة المالية العالمية. وتم تنفيذ أحدث توزيع في عام 2021، عندما أصدر الصندوق حقوق سحب خاصة بقيمة 650 مليار دولار لمساعدة البلدان الأعضاء على مواجهة التداعيات الاقتصادية والمالية لجائحة كوفيد-19.

ومن ثم، أثبتت حقوق السحب الخاصة قيمتها بوصفها أداة لإدارة الأزمات. واليوم، ينبغي لصندوق النقد الدولي البناء على ذلك النجاح ومواصلة تعزيز دور حقوق السحب الخاصة في النظام النقدي الدولي.

أولا، ينبغي للصندوق استئناف عمليات التوزيع السنوية للحفاظ على نسبة حقوق السحب الخاصة في حيازات البلدان الأعضاء من احتياطيات حقوق السحب الخاصة والعملات، التي تبلغ حاليا 7% تقريبا، وزيادتها تدريجيا. واستنادا إلى الاتجاهات العامة في الآونة الأخيرة، فإن تخصيص حقوق سحب خاصة بقيمة 100 إلى 200 مليار دولار سنويا ينبغي أن يحقق هذا الهدف. وسيضمن توزيع حقوق السحب الخاصة سنويا بصفة منتظمة تحقيق نمو مطرد في السيولة الدولية، على النحو المتصور عندما أُنشئت هذه الأداة وفي الصيغة المعدلة من اتفاقية تأسيس الصندوق ، دون تأثيرات حادة على النظام النقدي الدولي. وتمثل حقوق السحب الخاصة طريقة فعالة ومنخفضة التكلفة ولا تسبب أي تشوهات لتعزيز الاحتياطيات الدولية لدى البلدان، ولها ميزة إضافية من حيث إنها تظل دائما في المخزون العالمي من الاحتياطيات الدولية.

ثانيا، ينبغي رفع سعر الفائدة على حقوق السحب الخاصة عن طريق إدماج مزيج من أسعار الفائدة طويلة الأجل وأيضا قصيرة الأجل على الأوراق المالية الحكومية المقوَّمة بعملات سلة حقوق السحب الخاصة. ويمكن لهذا الإصلاح أن يُحدث تخفيضا طفيفا في الدعم على ما يشكل في الواقع قروضا دائمة لبلدان تقوم بتعبئة ما لديها من حقوق السحب الخاصة. ومن الممكن أيضا أن يوفر نوعا من التعويض للبلدان التي تيسر هذه التعبئة، وذلك عن طريق تخفيض حجم احتياطياتها من العملات وزيادة حيازاتها من حقوق السحب الخاصة.

ثالثا، ينبغي لصندوق النقد الدولي العمل بفعالية على تشجيع البلدان الأعضاء التي لديها حيازات زائدة من حقوق السحب الخاصة على استخدامها في المساعدة على التصدي للتحديات العالمية مثل تغير المناخ والجوائح - على سبيل المثال عن طريق إقراضها لتسهيل النمو والحد من الفقر أو الصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة التابعين للصندوق، أو بنوك التنمية متعددة الأطراف، أو غيرها من الحائزين المعتمدين لحقوق السحب الخاصة؛ وذلك عن طريق شراء الأوراق المالية المقوَّمة بحقوق السحب الخاصة التي تصدرها تلك الكيانات، وأيضا من خلال آليات مماثلة. وينبغي للبلدان الأعضاء ألا تقصر سياساتها بشأن استخدام حقوق السحب الخاصة عن طريق اشتراط سيولة المطالبات المقوَّمة بحقوق السحب الخاصة تتمتع بالسيولة. فلا يلزم أن تكون الاحتياطيات الزائدة سائلة إذا تجاوزت المستوى المطلوب بالفعل. وعلاوة على ذلك، تظل حقوق السحب الخاصة هذه في النظام المالي، وبذلك تضيف إلى السيولة العالمية بشكل دائم.

ويمكن لعمليات التوزيع السنوية المنتظمة لحقوق السحب الخاصة أن تدعم البلدان الأعضاء في صندوق النقد الدولي في سعيها لتحقيق الأهداف الاقتصادية الوطنية والعالمية، مثل تخفيف آثار تغير المناخ والتكيف معه. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه بالحد من مخاطر الأزمات المالية وتكلفتها، تخفض حقوق السحب الخاصة تكلفة الاقتراض من الأسواق، وهو ما يعطي صناع السياسات الثقة ويخفف القيود الخارجية على السياسات الرامية إلى تحقيق النمو الاقتصادي.

وفي الواقع، لا يتمثل حقوق السحب الخاصة حلا سحريا بحيث ستواجه وحدها التحديات الاقتصادية والمالية العالمية الملحة في الوقت الراهن، ولكنها واحدة من أدوات كثيرة يمكن أن تساهم في هذا الأمر. ولا يشكل إصلاح الحوكمة في صندوق النقد الدولي التحدي الهيكلي الوحيد الذي يواجه المؤسسة اليوم. وللإصلاح المستمر والتطور المؤسسي أهمية بالغة إذا أراد الصندوق الحفاظ على دوره المحوري في تعزيز التعاون النقدي الدولي.

وأخيرا، عندما يحتفل صندوق النقد الدولي بالذكرى المئوية لتأسيسه بعد عشرين عاما من الآن، نأمل أن يشيد المعلقون بقادة منتصف العِقد الثالث من القرن الحادي والعشرين لما كان لهم من رؤى وخيال بشأن الحفاظ على الدور الذي أسند للمؤسسة في بريتون وودز.

إدوين ترومان هو زميل بحوث بمركز موسافار-رحماني للأعمال والحكم في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، ومسؤول سابق في وزارة الخزانة الأمريكية ومجلس الاحتياطي الفيدرالي.

الآراء الواردة في هذه المقالات وغيرها من المواد المنشورة تعبر عن وجهة نظر مؤلفيها، ولا تعكس بالضرورة سياسة صندوق النقد الدولي.