5 min (1403 words) Read

النموذج الاقتصادي التقليدي لطريقة تحديد الأجور لا يعكس العالم الواقعي

لا ينطوي النموذج المعياري لسوق العمل، الذي يُدَرَّس في فصول علم الاقتصاد التمهيدية في أنحاء العالم، على أي شيء خاص عن العلاقة بين أصحاب العمل والعاملين. وبدلا من ذلك، فإن هذا النموذج ببساطة يُعيد وصف الرسم البياني التقليدي للعرض والطلب، ثم بطريقة سحرية يُحَوِّل الحدود الدنيا للأسعار إلى حد أدنى للأجور والنقابات العُمالية إلى جهات احتكارية. فسوق العمل، حسب النموذج، محكوم بنفس قوى العرض والطلب مثله كمثل الثلاجات أو الجزر. ولأن مؤسسات سوق العمل ومعاييره تعوق هذه القوى، لا يعتبرها النموذج سوى معوقات للكفاءة.

ونظرة التنافسية الكاملة هذه تجاه سوق العمل ليست خاطئة تماما. ولكن هذه النظرة غير مكتملة — وقد دفعت التفكير في السياسات الاقتصادية إلى التركيز على العرض والطلب بوصفهما الأهم، دون سواهما، في تحقيق نتائج سوق العمل. وتفترض هذه النظرة أن قانون السعر الواحد – الذي يسلم بأن أسعار السلع الأولية المتطابقة هي نفسها في كل مكان – يشمل كذلك العاملين وأجورهم. ونتيجة لذلك، يعتبر هذا النموذج أن عرض رأس المال البشري والطلب المدفوع بالتكنولوجيا هما الأداتان الوحيدتان المحركتان لأسواق العمل، مع ضآلة دور الشركات أو المعايير أو المؤسسات التدخلية، مثل اتحادات العمال والحكومات. ويعرض نموذج المنافسة الكاملة عموما جهود تشكيل شروط العقود الطوعية بين العاملين والشركات (مثل مفاوضات النقابات أو الحد الأدنى للاجور) إما باعتبارها ذات أهمية ثانوية في أحسن الأحوال أو على أنها تؤدي إلى نتائج عكسية، في أسوأ الأحوال. وكان الراحل ميلتون فريدمان قد كتب يوما "إنما يحمي الموظف من الوقوع تحت طائلة الإكراه من صاحب عمله وجود أصحاب عمل آخرين يمكنه أن يعمل لديهم."

غير أن الانعكاسات التجريبية لهذه النظرية لا تتطابق كثيرا مع العالم الواقعي. فعلى سبيل المثال، في الحالة الافتراضية لشركة تخفض الأجور بنسبة 10%، يتوقع نموذج المنافسة الكاملة أن جميع العاملين سيتركون عملهم في نهاية المطاف ويلتحقون بالعمل لدى الشركات المنافسة. ولا يوجد نطاق معين تحدد الشركات الأجور في ضوئه، إنما السوق هي التي تحدد قيمة كل عامل في كل شركة.

جرعة من الواقع

غير أن التقديرات التجريبية وشبه التجريبية في السيناريوهات غير الخاضعة لتنظيم نسبيا تشير كلها إلى أن هذا لا يحدث فعليا. فعدد العاملين الذي يتركون وظائفهم كرد فعل لتخفيض الأجور أقل بكثير، ربما كان يتراوح بين 20% و30%، كما أنه أقل من ذلك في الاقتصادات النامية. وهذا ما يعني أن أصحاب العمل يتمتعون بحرية كبيرة في تحديد الأجور. وارتفاع الأجر يساعد بالفعل على توظيف العاملين والاحتفاظ بهم، ولكن السوق لا يفرض أي قيود جادة على قرارات الشركات في تحديد الأجور، وفي وسع أصحاب العمل على اختلافهم الاختيار من بين بدائل مختلفة. وذلك يعني أن أصحاب العمل يمارسون قوتهم الاحتكارية في تحديد الأجور – والمقابل لذلك في سوق العمل القوة الاحتكارية على جانب الطلب التي تمنح البائعين درجة من السيطرة على تحديد الأسعار.

وعدم الرضا عن الوصف التقليدي لسوق العمل ليس بالأمر الجديد. ولا تزال الانتقادات الأقدم لهذا النموذج صحيحة، فتذهب مثلا إلى إنه لا يتوقع البطالة الاضطرارية. وظهر ما هو أحدث منها، مثل أهمية دور الشركات والنفوذ السوقي والمعايير الثقافية.

ومع هذا، برغم ظهور مجموعة كبيرة من النظريات والأدلة التي ترجع إلى ثمانينات القرن الماضي، والتي كشفت النقاب عن عيوب في هذا النموذج، لا يزال الإطار التقليدي هو النموذج المفترض لأصول التدريس وصنع السياسات الاقتصادية. وقبل بدء مشروع الموارد التعليمية المفتوحة لمناهج الاقتصاد (CORE Econ) – وهو مشروع لكتب تدريس علم الاقتصاد مفتوحة المصدر أنا مشارك فيه – كان نموذج سوق العمل في الكتب الدراسية التمهيدية صورة من صور العرض والطلب إلى حد ما. وهناك العديد من القوى الاقتصادية الأخرى التي يُنظر إليها باعتبارها انحرافات ممكنة عن النموذج الأساسي، ولكن النموذج لم يتغير. ونتيجة لذلك، هناك مثلا تحيز مستشرٍ في قانون التوظيف الأمريكي يفيد بأنه يمكن للشركات والعاملين على حد سواء إنهاء علاقة العمل مباشرة بتكلفة متدنية.

تصدعات في الصرح

كثير من الانتقادات الحالية لنموذج سوق العمل التقليدية هو نتاج التصدعات التجريبية الواسعة والمتزايدة في النموذج الاقتصادي:

  • برغم ما يفترضه النموذج الأساسي من أن دور الشركات ليس على قدر كبير من الأهمية لأن جميع العاملين الذين يقومون بنفس النوع من العمل ينبغي أن يحصلوا على نفس الأجر في السوق، فمن الواضح أن سلوك أصحاب العمل هو المسؤول عن حصة كبيرة من الأجور. وكان خبراء الاقتصاد العمالي في مطلع القرن العشرين قد جمعوا بعض الأدلة المنظمة حول هذه النقطة، ولكن نطاق البحث اتسع كثيرا بعد ظهور بيانات المطابقة عالية الجودة بين صاحب العمل والموظف، مقترنة بشبه التجارب الشفافة.
  • هناك كثير من الأدلة على بعض الأجور الخاصة بشركات معينة والتي تعكس في جانب منها إنتاجية أصحاب العمل وربحيتهم، وهو ما يتعارض مع قانون السعر الواحد.
  • من الصعب للغاية التوصل إلى حدوث آثار سلبية من الحد الأدنى للأجور على الوظائف، برغم ما يتنبأ به نموذج التنافسية الكاملة من أن رفع الحد الأدنى للأجور يمكن من تسريح العاملين الأقل إنتاجية بدون أي آثار مقابلة على حركة دوران الموظفين أو الجهد المبذول.
  • هناك أدلة قوية على وجود علاقة ارتباط سالب بين تركز سوق العمل والأجور وعلى أن عمليات اندماج كبار أصحاب العمل تخفض الأجور. وعلاوة على ذلك، هناك أدلة أحدث على أن النقابات والحدود الدنيا للأجور تخفف التأثير السلبي من هذا التركز على الأجور.
  • بصورة مباشرة أكثر، التغيرات شبه التجريبية في الأجور على مستوى العاملين، إذا تساوت الأمور الأخرى، لا تُنتِج سوى تغيرات محدودة في حالات ترك العمل وتعيين الموظفين.

وتشير كل هذه الأدلة إلى أن استشراء القوة الاحتكارية لأصحاب العمل تشكل قوة في سوق العمل، حيث تقوم الشركات بتحديد أجور مجموعات العاملين، وتفقد أولئك الذين لديهم خيارات أفضل خارجها لكنها تحقق أرباحا باستغلال من ليسوا لديهم خيارات أخرى.

وبينما القوة الاحتكارية لأرباب الأعمال ليست سوى خيط واحد في شبكة من القوى التي تجعل سوق العمل أكثر فوضى مقارنة بنموذج العرض والطلب، فهي أسهل العوامل التي يُلقى عليها عبء تفسير الانحرافات في سوق العمل نظرا لإمكانية قياسها من الناحية التجريبية بناء على البيانات المتاحة بسهولة كما أنها ليست بعيدة كل البُعد من ناحية المفهوم عن المجال الآمن في "مبادئ الاقتصاد 101". والتخفيف ببساطة من فرضية تسليم الشركات بالأجور كما هي في السوق ينتج نظرة معقولة بقدر أكبر بكثير تجاه سوق العمل.

البحث عن عمل ليس بالأمر الهين

تحدد الشركات الكبرى أجور مجموعة كاملة من الوظائف دون الحاجة إلى المنافسة فيما بينها، وهو ما يخلق فقاعة من السلوك غير التنافسي داخل أي سوق عمل. فيجد الموظفون البحث عن وظائف مسألة مكلفة، ولا يجري تداول الأخبار عن كثير من الوظائف الشاغرة ومن يُحتمل أن تنطبق عليهم مواصفاتها إلا عبر سبل غير رسمية من خلال الشبكات الاجتماعية. ويتبين من الأدلة أن العاملين لا يحصلون سوى على القدر القليل من المعلومات الموثوق فيها عن الوظائف خارج شركاتهم (دراسة Jäger and others 2022).

وأحد الأسباب الرئيسية وراء القوة الاحتكارية في سوق العمل هو أن الوظائف ليست مجرد مصدر دخل، وإنما يأخذ الموظفون في اعتبارهم مسائل تتجاوز التعويضات حينما يفكرون في اختيار وظائفهم. فمن جملة أمور أخرى، تمنح الوظائف كذلك خبرات ومكانة اجتماعية كما أنها في بعض الأحيان تمنح الهوية. وهناك كثير من الجوانب المهمة في الوظيفة، منها العلاقات مع الزملاء والرؤساء، ووقت التنقل إلى العمل ، وأذواق العاملين وقدرتهم على القيام بمهام معينة، وجدول العمل وعدد ساعاته. والناس يُقَدرون العمل الذي يظنون أن الآخرين ينظرون إليه نظرة تقدير. وكذلك التجارب الشخصية في العمل مهمة بالنسبة للعاملين، مثل الهدف منه والإحساس به، والاحترام الإداري، والشعور بالكرامة.

وهناك اختلاف في الإحساس بنفس الوظيفة والمعرفة بالوظائف الخارجية بين العاملين، مما يمنح أصحاب العمل مجالا لتخفيض الأجور، ويجعلهم يفقدون بعض العاملين الذي يفضلون العمل في مكان آخر بينما يحتفظون بأولئك الذين تكون وظائفهم هي أفضل ما يطمحون إليه.

ويمكن من خلال التفاوض الجماعي على الأجور وكذلك على مستوى القطاعات بين أصحاب العمل والاتحادات الديمقراطية تحسين مستويات الكفاءة والعدالة وتوازن القوى في سوق العمل.

وسياسة مكافحة الاحتكار من المجالات التي ركزت على القوة الاحتكارية في سوق العمل. وبرغم أن التحليل التقليدي لمكافحة الاحتكار يُعنى في الأساس بمصلحة المستهلك، فالبحوث القانونية والاقتصادية الأخيرة تلقي الضوء على دور النفوذ السوقي لأصحاب العمل. وتحقق سلطات مكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة حاليا بنشاط في حالات من هذا القبيل، كما تشير المبادئ التوجيهية بشأن الاندماج الأفقي (أي دمج مجموعة من الشركات في نفس قطاع النشاط) مؤخرا إلى أنه ينبغي فحص حالات الاندماج للكشف عن الأضرار التي تلحق بالعاملين نتيجة لها. وعلاوة على ذلك، فقد وضعت سلطات مكافحة الاحتكار قيودا على بنود عدم المنافسة (التي تحد من قدرة الموظف على العمل لدى شركة منافسة) واتفاقات عدم التنافس على الموظفين (التي تتفق الشركات في ظلها على عدم إغراء موظفي غيرها من الشركات بالعمل لديها). ويشكل كلاهما قيودا أفقية (في نفس قطاع النشاط) من المفترض أنها تضعف المنافسة في سوق العمل.

قوة تحديد الأجور

لكن دراسة Naidu and Posner (2022) تذهب إلى أن مكافحة الاحتكار ليست سوى جزءا من الحل في مواجهة القوة الاحتكارية لأصحاب الأعمال، لأن قدرا كبيرا من القوة الاحتكارية للشركة يكمن في التعامل مع العاملين معاملة السلع وليست نتاج قيود مصطنعة أو التركز دونما داعٍ.

وبكل المقاييس، فإن عرض العمالة لا يستنزف القيود على قرارات الشركات بشأن تحديد الأجور. والقوة الاحتكارية ليست سوى جزء من حسابات الشركات في تحديد الأجور. وعلى سبيل المثال، فإن تمتع أصحاب العمل بالنفوذ السوقي لا يعني بالضرورة أنهم يستغلونه تماما. وهناك الكثير من القيود التعويضية – ومنها الداخلية مثل الحاجة إلى تحفيز العاملين على بذل الجهود والعناية، واهتمام الإدارة ببناء امبراطورية وليس ببساطة تحمل الحد الأدنى من التكلفة، ومعايير العدالة والمعاملة بالمثل – وتلك الخارجية، مثل أنماط تحديد الأجور (حينما تحاكي الشركات أجور بعضها بعضا)، والأجور الأدنى، والنقابات.

وبرغم أن الاحتكار وحده يؤكد أهمية التواجد في مكان العمل، فإن الدراسات الأقدم عن أجور الكفاءة (وهي أعلى من الحد الأدني للمحافظة على القوى العاملة المرغوب في بقائها) تؤكد أهمية سلوك الموظفين متى كانوا يؤدون عملهم. فأي صاحب قوة احتكارية يرغب في الحصول على الجهد يجب أن يكبح نفوذه في تحديد الأجور. وفحص مزيد من البحوث في مجال اقتصاد الموارد البشرية مسائل تصميم الوظائف وتكوين فرق العمل والحوافز داخل شركة ما. ولكن قليل من هذه الدراسات هو الذي تناول تفاعل هذه العوامل مع تنوع الخيارات الخارجية المتاحة للعاملين أصحاب الإنتاجية المتماثلة – وهو سيناريو يؤكده تحليل سلطة احتكار تحديد الأجور. فعلى سبيل المثال، تتوصل دراسة Dube, Giuliano, and Leonard (2019) إلى أن ارتفاع معدلات ترك العمل كرد فعل لعدم استمرارية سياسة الأجور يكون مدفوعا بتجنب التغيرات غير العادلة والجزافية في الأجور.

وليس هناك وضوح فيما إذا كانت الشركات تحقق المستوى الأمثل من الأرباح على نحو تام. ويشير النموذج التقليدي إلى أن هدف الشركات عند تحديد الأجور هو تعظيم الأرباح. ولكن إذا وجد المديرون صعوبة في تحقيق الحد الأمثل، فإن الاحتكار يمنح الشركات بعض المرونة لارتكاب أخطاء إلى حد ما. وتوثق دراسة Dube, Manning, and Naidu (2018) انتشار مسألة تكتل التوزيع حول أرقام مقرَّبة في البيانات الإدارية، وأكثر الأرقام الشائعة للأجر الاسمي في الساعة الملاحظة هو 10 دولارات على مدار فترة زمنية طويلة. وتبين هذه الدراسة كذلك أن تكتل التوزيع ليس ناتجا عن خداع العاملين ليتوهموا أن الأرقام المُقَرَّبة مرتفعة بشكل مصطنع؛ وإنما هو نتيجة عدم تمكن أصحاب العمل من تحديد الأجور آخذين في حسبانهم تعظيم الأرباح بدقة. وتتسق هذه النتيجة مع بحث أخير يوثق انتشار مسألة تحديد الأجور بشكل موحد – فأصحاب العمل الوطنيون يحددون الحد الأدنى للأجور على مستوى البلد كله، بصرف النظر عن أوضاع أسواق العمل المحلية، أو قيام الشركات متعددة الجنسيات باستخدام الأجور الأدنى في البلد الأم ونشرها في مواقعها في أنحاء العالم. وعندما يمتلك أصحاب العمل القوة في السوق ، لا حاجة بهم للانخراط في بحث مكلف عن الأجر المعظِّم للربح بشكل تام؛ ويمكن أن يتحمل أصحاب العمل دفع أجور أعلى أو أقل مما يستحقه العاملون لأن ذلك لن يفقدهم الكثير من أرباحهم. ولكن عندما يركز المديرون على تعظيم الربح بالفعل – أولئك الحاصلون على درجات ماجستير في إدارة الأعمال مثلا – تصبح الأجور أقل ويصبح دوران الموظفين أعلى (دراسة Acemoglu, He, and le Maire 2022).

وهناك أمر واحد يتضح من خلال تحديد أصحاب العمل للأجور هو أن القوة تُمارَس في سوق العمل، إما من خلال القوة الاحتكارية لأرباب العمل في تحديد الأجور أو من خلال الخوف من البطالة. وسوق العمل في اقتصاد عدم التدخل يمنح ضمنا صلاحية تحديد الأجور لأصحاب العمل. والفهم السائد على مدار تاريخ تنظيم الحكومة لسوق العمل هو أن صالح العاملين يستوجب وجود قوة تعويضية في المقابل. ولكن بعض الجهود التي تُبذَل لتنظيم سوق العمل تسفر عن منح مزيد من القوة لجهة تنظيمية لا تخضع للمساءلة أو لاتحاد قد يكون غير ديمقراطي بدلا من منحها للعاملين. وحتى الإصلاحات حسنة النية وإن كانت غير موجهة للهدف الصحيح يمكن أن تخلق ظروف تجعل العاطلين عن العمل يصطفون للحصول على فرص عمل وبقائهم معرضين للاستبعاد من الوظائف.

أداة كليلة

على سبيل المثال، بينما الحد الأدنى للأجور يشكل حركة مضادة شائعة في مواجهة القوة الاحتكارية لأصحاب العمل، فهو أداة كليلة لا تقدر سوى على استهداف الأجور في أسفل منحنى التوزيع. فحينما تُفرض الحدود الدنيا للأجور أو تُرفع، قد يتقلص عدد الوظائف منخفضة الإنتاجية، لكن القوة الاحتكارية في سوق العمل تنطوي على التوسع في الوظائف عالية الإنتاجية، والتأثير الكلي على الوظائف لن يكون محددا من الناحية النظرية. ولكن معايير سوق العمل التي يحددها جهاز تنظيمي من بُعد ولا تأخذ في حسبانها صالح العاملين المتأثرين تكون على الأرجح بالغة الارتفاع أو شديدة الانخفاض، ولا تأخذ في حسبانها مزايا أخرى محددة غير الأجور يُقَيِّمها الموظفون، ولا تقدر على استهداف احتكار الشركات ذات الإنتاجية الأعلى في سوق العمل ذاته. وتشير الأدلة في الآونة الأخيرة إلى أن مستويات الحد الأدنى للأجور في الولايات المتحدة بوجه عام ليست مرتفعة للغاية.

وهناك اهتمام متجدد بالحركة العمالية. ويمكن من خلال التفاوض الجماعي على الأجور وكذلك على مستوى القطاعات بين أصحاب العمل والاتحادات الديمقراطية تحسين مستويات الكفاءة والعدالة وتوازن القوى في سوق العمل. وتمتلك الاتحادات في مكان العمل وكذلك ممثلو العاملين معلومات خاصة عن القيود التي تواجه أصحاب عملهم والمزايا غير الأجور التي يُقَيِّمُها العاملون لديهم. وفي وجود دعم من القوة التفاوضية لاتحاد عمالي أكبر أو صلاحية حكومية، يمكن للتمثيل الفعال للعاملين أن يوازن قوة أصحاب العمل بطرق تتواءم مع سوق العمل المحلي والظروف في مكان العمل. وتشير البحوث في الآونة الأخيرة إلى أن زيادة تمثيل العاملين، في أوروبا على أقل تقدير، لم تسفر إلا عن عواقب سلبية ملحوظة محدودة. وربما كان من أسباب شعور كثير من المديرين بالإحباط أن تمثيل العاملين يفرض كذلك هياكل للحوكمة على مكان العمل – مثل تنظيم رعاية الطفل، وإجازات الأمومة والأبوة، والعمل من بُعد، وجداول للعمل، والترقيات، والظروف الصحية وضمان السلامة. ولكن هذه هي نتيجة أسواق العمل المنظمة نقابيا التي تبدل توزيع القوة بين أصحاب العمل والعاملين. وتعتمد طريقة تبلور ذلك في الواقع العملي على مدى الاحتواء والمساءلة عن حوكمة النقابات. ومع هذا، فإن زيادة تمثيل العاملين تفتح الطريق أمام زيادة الديمقراطية والكفاءة في أماكن العمل أكثر مما يفعل الخيار البديل وهو اقتصاد عدم التدخل الذي يهيمن عليه أصحاب العمل.

سوريش نايدو هو أستاذ كرسي جاك وانغ وإتشو رين للاقتصاد وأستاذ الشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا.

الآراء الواردة في هذه المقالات وغيرها من المواد المنشورة تعبر عن وجهة نظر مؤلفيها، ولا تعكس بالضرورة سياسة صندوق النقد الدولي.

المراجع:

Acemoglu, Daron, Alex He, and Daniel le Maire. 2022. “Eclipse of Rent-Sharing: The Effects of Managers’ Business Education on Wages and the Labor Share in the US and Denmark.” NBER Working Paper 29874, National Bureau of Economic Research, Cambridge, MA.

Dube, Arindrajit, Laura Giuliano, and Jonathan Leonard. 2019. “Fairness and Frictions: The Impact of Unequal Raises on Quit Behavior.” American Economic Review 109 (2): 620–63.

Dube, Arindrajit, Alan Manning, and Suresh Naidu. 2018. “Monopsony and Employer Mis-optimization Explain Why Wages Bunch at Round Numbers.” NBER Working Paper 24991, National Bureau of Economic Research, Cambridge, MA.

Jäger, Simon, Christopher Roth, Nina Roussille, and Benjamin Schoefer. 2022. “Worker Beliefs about Outside Options.” NBER Working Paper 29623, National Bureau of Economic Research, Cambridge, MA.

Naidu, Suresh, and Eric A. Posner. 2022. “Labor Monopsony and the Limits of the Law.” Journal of Human Resources 57 (S): S284-S323.