5 min (1403 words) Read

تنزيل ملف PDF

تحقيق أهداف التنمية المستدامة أمر مستحيل ما لم تتوافر المهارات الأساسية للجميع حول العالم، وهو هدف لا يزال بعيدا

حازت أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة اهتماما كبيرا منذ إقرارها عام 2015. والآن وقد انتصفت المدة اللازمة لتنفيذها، لا توجد سوى دلائل بسيطة على إمكانية تحقيق هذه الخطة الطموحة بحلول عام 2030. ويُشترط لتحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر دعم التنمية العالمية التي تتيح الموارد اللازمة للمضي قدما نحو تحقيق الأهداف، ولكن يوجد تحد رئيسي. فالتنمية الاقتصادية تعتمد على المهارات المتاحة في كل مجتمع، مما يعني ضرورة توفير التعليم عالي الجودة للجميع على نحو عادل، وهو أمر يصعب التفاؤل بشأنه. فمواطن العجز كثيرة، والأحداث الأخيرة لم تساعد في بناء فرص نجاح أفضل.

واستنادا إلى الشواهد المتاحة، نسلط الضوء على ثلاث قضايا أساسية. أولا، تفسر الفروق بين المهارات ثلاثة أرباع التباين في معدلات النمو بين البلدان على المدى الطويل. وثانيا، يوجد عجز ضخم في المهارات العالمية، نظرا لأن ثلثي شباب العالم، وربما أكثر، لا يملكون حتى المهارات الأساسية. وثالثا، سيساهم توفير المهارات الأساسية للجميع حول العالم في زيادة إجمالي الناتج المحلي العالمي مستقبلا بقيمة 700 تريليون دولار أمريكي خلال الفترة المتبقية من القرن الحالي.

التحصيل الدراسي والنمو

تم إجراء عدد كبير من الأبحاث لفهم محددات النمو الاقتصادي. غير أن نمط النمو الاقتصادي والتنمية، كما نراه، بسيط ومباشر: فرغم أن النمو على المدى القصير يعتمد على عدد من العوامل، نجد أن النمو على المدى الطويل مرهون أساسا بمهارات الأفراد (دراسة Hanushek and Woessmann 2015). علاوة على ذلك، يشير تحليلنا إلى أن الاختبارات الدولية التي تقيس التحصيل الدراسي للطلاب في مادتي الرياضيات والعلوم تعد مؤشرا دقيقا للمهارات الاقتصادية الأساسية.

ويعكس الرسم البياني 1 بوضوح العلاقة بين النمو على المدى الطويل والتحصيل الدراسي. وتُقاس مهارات السكان بناء على درجات الاختبارات الدراسية الدولية (مثل برنامج التقييم الدولي للطلاب [PISA]، واتجاهات دراسة الرياضيات والعلوم الدولية [TIMSS]، وما سبقهما من اختبارات). ويوضح الرسم البياني نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي خلال الفترة 1960-2000 بعد استبعاد التباين الناتج عن مستوى الدخل الأولي في كل بلد (نظرا لأن محاكاة التكنولوجيا المستحدثة في بلدان أخرى أسهل من ابتكارها). ويوجد رابط وثيق بين النمو والتحصيل الدراسي: فالبلدان التي يحرز سكانها مستويات تحصيل متقدمة أسرع نموا من غيرها، بينما تعجز البلدان التي يحرز سكانها مستويات تحصيل متأخرة عن تحقيق أي نمو يُذكر. ويفسر مستوى التحصيل الدراسي ثلاثة أرباع التباين في معدلات النمو عبر البلدان. علاوة على ذلك، لا يتأثر النمو بعدد سنوات الدراسة بل بمستوى التعلم الفعلي.

رأس المال المعرفي والنمو الاقتصادي معظم الفروق في معدلات النمو على المدى الطويل عبر البلدان تعزى إلى الفروق في مهارات الأفراد.

غير أن الشاغل المعتاد حيال هذه الفكرة يكمن في أنها قد لا تعكس علاقة سببية نظرا لأن هناك عوامل أخرى قد تكون أكثر أهمية وترتبط ارتباطا مباشرا بمستوى التحصيل الدراسي. وقد أجرينا دراسة متعمقة حول عدد من التفاسير المحتملة الأخرى (راجع دراسة Hanushek and Woessmann 2015) مدعومة بحجج موثوقة على أن رفع مستوى التحصيل الدراسي له تأثير قوي على النمو – وإن كان من المستحيل تبديد جميع الشكوك في هذا الشأن. فعلى سبيل المثال، خلصت الدراسة إلى أن اختبارات التحصيل الدراسي حتى أوائل الثمانينات تتكهن بمعدلات النمو المستقبلية (وهو ما يستبعد وجود علاقة سببية عكسية بسيطة)، وأن زيادة الإنفاق (التي قد تكون نتيجة تسارع معدلات النمو) لا تؤدي دائما إلى تحسن مستوى التحصيل الدراسي. علاوة على ذلك، إذا ما استخدمنا جزءا فقط من التباين في مستوى التحصيل الناتج عن قوة مؤسسات النظام المدرسي، مثل تدابير المساءلة القوية أو وجود عدد أكبر من المدارس للاختيار فيما بينها، نجد العلاقة نفسها بين التحصيل الدراسي وتسارع معدلات النمو، مما ينفي فكرة أن تحسن مستوى التحصيل الدراسي يعكس عوامل محذوفة خارج النظام المدرسي. وتوصلنا أيضا إلى أن البلدان التي تسجل تحسنا في مستويات التحصيل الدراسي بمرور الوقت تتحسن معدلات نموها لاحقا، مما يمكن معه استبعاد وجود عوامل ثقافية أو مؤسسية محتملة محذوفة.

بيئة التعليم العالمية

دائما ما كان من الصعب على مر التاريخ رصد النجاح في قطاع التعليم. وتم استحداث اختبارات التحصيل الدراسي الدولية للمرة الأولى خلال الستينات – وتشارك فيها حاليا جميع البلدان الثرية بصفة منتظمة – ولكن معظم البلدان الفقيرة لم تشارك فيها مطلقا. وقد تم استحداث مجموعة من الاختبارات الإقليمية الموازية، وإن كانت لا ترتبط بصورة مباشرة بالاختبارات الدولية الأوسع نطاقا. ومعظم الاقتصادات، بما في ذلك الاقتصادان الأكبر من حيث عدد السكان، لا يصدر عنها بيانات دورية عن نتائج الطلاب.

ويغطي أحدث أبحاثنا مختلف اختبارات التحصيل الدراسي الدولية والإقليمية (راجع دراسة Gust, Hanushek, and Woessmann التي تصدر قريبا). ويرصد البحث الاتجاه العالمي للتحصيل الدراسي والمهارات بدقة كافية، وإن ظل مشوبا بقدر من عدم اليقين، لاستطلاع مدى التقدم الذي أحرزه العالم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

ونُعرِّف المهارات الأساسية بأنها المهارات اللازمة للمشاركة المنتجة في الاقتصادات الحديثة. ومن منظور عملي، نفترض أن إتقان هذه المهارات يتحقق بإجادة المستوى المهاري الأدنى من المستويات الستة لبرنامج التقييم الدولي للطلاب – أي مهارات المستوى الأول من البرنامج. ويستطيع الطلاب في هذا المستوى تنفيذ خطوات روتينية واضحة بناء على تعليمات مباشرة، ولكنهم لا يستطيعون استخلاص استنتاجات مباشرة أو استخدام القواعد الأساسية بصورة دقيقة لحل مسائل بسيطة مكونة من أعداد صحيحة. وتعد هذه المهارات الأساسية شرطا أساسيا لا للمشاركة في المجتمعات الحديثة فحسب، ولكن للتعلم طوال الحياة الذي أصبح ضرورة في عالم دائم التغيير.

ويعكس تحليلنا نتائج مثيرة للقلق. فثلثا شباب العالم أو يزيد يعجزون عن بلوغ المستويات المهارية الدنيا اللازمة للمنافسة في الاقتصاد الدولي. وتنتشر هذه الظاهرة عالميا، ولكنها أكثر حدة على الإطلاق في البلدان الأكثر فقرا – كما يتضح في الرسم البياني 2.

فجوات المهارات الأساسية على خريطة العالم أكثر من 90% من الأطفال في عدد كبير من البلدان لا يستطيعون الوصول إلى مستوى المهارات الأساسية.

فجوات المهارات الأساسية على خريطة العالم

وفيما يلي ست حقائق مبسطة تلخص التحديات الإنمائية الناجمة عن العجز العالمي في المهارات الأساسية:

  • ما لا يقل عن ثلثي شباب العالم لا تتوافر لهم المهارات الأساسية.
  • نسبة الشباب الذين لا تتوافر لهم المهارات الأساسية تتجاوز النصف في 101 بلد وتزيد على 90% في 37 بلدا من هذه البلدان.
  • حتى في البلدان مرتفعة الدخل، يفتقر ربع الشباب إلى المهارات الأساسية.
  • عجز المهارات يصل إلى 94% في إفريقيا جنوب الصحراء و90% في جنوب آسيا، بينما تصل النسبة إلى 70% في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا و66% في أمريكا اللاتينية.
  • بالرغم من أن فجوة المهارات تكون أكثر وضوحا على الإطلاق بين ثلثي شباب العالم الذي تخلفوا عن التعليم الثانوي، يعجز 62% من طلاب التعليم الثانوي حول العالم عن بلوغ المهارات الأساسية.
  • نصف شباب العالم يعيشون في البلدان الخمسة والثلاثين غير المشاركة في الاختبارات الدولية، مما يؤدي إلى عدم توافر معلومات دورية عن الأداء في المراحل الأساسية.
كلما تحسنت مهارات الأفراد، ارتفعت دخولهم على مدار حياتهم. وسيكون التأثير الكلي أكبر كثيرا.

أما البلدان الأكثر احتياجا، فنراها تسير على غير هدى بالطبع، دون أي معلومات حول مستويات التحصيل الدراسي لطلابها في الوقت الحالي. وينبغي أن تضع المنظمات الإنمائية الدولية اختبارات دورية وفق المعايير الدولية في جميع بلدان الجنوب، على أن يكون محتوى هذه الاختبارات مناسبا للأطفال الذين يجدون معاناة في بلوغ المستويات الأساسية. وهذه الاختبارات الدولية التنافسية ستتيح لصناع السياسات معلومات أفضل بما يمكنهم من تركيز طاقاتهم وتصميم سياسات ملائمة – وتحديد مدى نجاحها.

إيريك هانوشيك زميل أقدم في مؤسسة هوفر بجامعة ستانفورد.

لودجر ووسمان أستاذ الاقتصاد بجامعة ميونخ ومدير مركز اقتصاديات التعليم التابع لمعهد المعلومات والبحوث.

الآراء الواردة في هذه المقالات وغيرها من المواد المنشورة تعبر عن وجهة نظر مؤلفيها، ولا تعكس بالضرورة سياسة صندوق النقد الدولي.

المراجع:

Gust, Sarah, Eric A. Hanushek, and Ludger Woessmann. Forthcoming. "Global Universal Basic Skills: Current State and Implications for World Development"

Hanushek, Eric A., and Ludger Woessmann. 2015. The Knowledge Capital of Nations: Education and the Economics of Growth. Cambridge, MA: MIT Press

Hanushek, Eric A., and Ludger Woessmann. 2020. The Economic Impacts of Learning Losses. Paris: Organisation for Economic Co-operation and Development