تعليقات السيدة كريستالينا غورغييفا، مدير عام صندوق النقد الدولي في اجتماع وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لدول مجلس التعاون الخليجي

29 أكتوبر 2020

السلام عليكم! السادة الوزراء والمحافظون، يسرني أن أكون معكم في هذا الاجتماع لمواصلة حوارنا السابق أثناء الاجتماعات السنوية.

 لقد سمعتموني أقول إن الاقتصاد العالمي بدأ يصعد من أغوار الأزمة، ولكنها رحلة طويلة في طريق غير ممهد ومعرض للنكسات. ومن المتوقع أن يكون النمو العالمي لهذا العام سالب 4,4%، بزيادة في التوقعات قدرها 0,8% مقارنةً بتنبؤاتنا في يونيو الماضي، ولكنه يظل ضعيفا جدا بالطبع. ونتوقع تعافيا جزئيا في عام 2021، حيث يبلغ النمو 5,2%، وهو مستوى أقل من توقعاتنا في يونيو بنسبة 0,2%. ولكن إجمالي الناتج المحلي العالمي سيظل دون مستوى الاتجاه العام الذي كان سائدا لسنوات عديدة قبل الأزمة – بل إننا نتوقع بالفعل خسارة 28 تريليون دولار على مستوى العالم حتى نهاية عام 2025. وتوضح عودة ارتفاع الإصابات بفيروس كوفيد-19 في العديد من البلدان مخاطر التطورات السلبية التي تهدد حتى هذه التنبؤات.  

 وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، نتوقع انكماشا بنسبة 6% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2020، يعقبه نمو بنسبة 2,3% في عام 2021، وكذلك عجوزات كبيرة في المالية العامة وميزان المدفوعات الخارجية. وتعكس هذه التوقعات التأثير المجمع لانخفاضات سعر النفط، وتخفيضات إنتاجه، وعمليات الإغلاق العام. وهي تفترض استمرار التقدم في مكافحة الفيروس وزيادة النشاط الاقتصادي خارج المنطقة. 

 وبالنظر إلى المدى المتوسط، نرى استمرار الآثار العميقة على الاقتصاد: بطالة، وانخفاض في استثمارات الأعمال، وطلاب خارج المدارس متأخرون في سعيهم لتحقيق إمكاناتهم الكاملة.

 والأكثر من ذلك أن المنطقة تعاني من انهيار أسعار النفط الذي يمكن أن يمتد لفترة مطولة.

 ولكنكم نهضتم إلى مستوى التحدي. وسرعة التحرك على صعيد السياسات، بقيادة الكثير منكم، يساعد في هذا الصدد. وقد أدى تعزيز نظم الصحة العامة القوية أصلاً إلى إبقاء معدلات الوفيات في دول مجلس التعاون الخليجي من بين أدنى المعدلات في العالم. وسارعت البحرين والإمارات العربية المتحدة بتعميم أنظمة لاختبارات الكشف عن الفيروس وتتبع المخالطين، وهي من أكبر الأنظمة في العالم من حيث عدد الأفراد المشمولين.

 وأدت حِزَم الدعم المالي ودعم السيولة إلى حماية الدخول والأرزاق، وكذلك القطاع المالي. وتضمنت الإجراءات العاجلة والمبتكرة تقديم إعفاءات وتأجيلات ضريبية، وتحويلات نقدية، ودعم مالي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

 فأين نذهب من هنا؟ كيف نحفز تعافيا أذكى وأكثر خضرة وشمولا للجميع؟

أهم الرسائل لصناع السياسات في مجلس التعاون الخليجي

 سيكون من المهم، في البداية، مواصلة السياسات الناجحة. استمروا في الاستثمار في النظم الصحية؛ وحافظوا على سياسات مالية ونقدية داعمة إلى أن يترسخ التعافي؛ ووجهوا هذا الدعم بصورة متزايدة إلى الأسر والأعمال الأشد حاجة إليه.

 وفي الفترة المقبلة، يمكن لمجلس التعاون الخليجي أن يقود المسيرة إذا عجلتم الإصلاحات التي بدأتموها قبل جائحة كوفيد-19:    

  • تنويع تدفقات الإيرادات الحكومية وجعل الإنفاق أكثر كفاءة.
  • تنويع اقتصاداتكم وتخضيرها.
  • خلق الفرص للشباب والنساء.

 لننظر إلى كل من هذه المجالات.

 في مجال المالية العامة، قامت المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة بتنويع الإيرادات من خلال تطبيق ضرائب انتقائية على السلع وضريبة القيمة المضافة. وقد أعادت توزيع الإنفاق للتركيز على متطلبات مواجهة الجائحة.

 وبالمثل، تعمل عمان على تخفيض بعض الإنفاق وبدأت تطبيق ضريبة القيمة المضافة. كذلك استحدثت الإمارات العربية المتحدة والبحرين ضريبة القيمة المضافة، وبدأت الإمارات وقطر وأعضاء آخرون في مجلس التعاون الخليجي تخفيض دعم الوقود غير الكفء.

 ومن الأولويات الأساسية الأخرى على صعيد المالية العامة تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي وتحسين إدارة الأصول والخصوم الحكومية. ويكتسب هذا أهمية خاصة نظرا لارتفاع الدين الخارجي في دول مجلس التعاون الخليجي. وربما الأهم من كل ذلك، وضع أطر قوية للمالية العامة على المدى المتوسط يمكن أن تساعد صناع السياسات على تجاوز فترة التقلب قصيرة الأجل في الإيرادات النفطية، وإرشاد عملية الضبط المالي، والحفاظ على مدخرات للأجيال القادمة.

 ثم تنويع وتخضير اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي – وهو أمر بالغ الأهمية نظرا للاتجاهات العامة طويلة الأجل التي يرجح أن تسود في سوق النفط.   

 والمنطقة على المسار الصحيح لقيادة العالم في التحول إلى تكنولوجيا الجيل الخامس للأنظمة اللاسلكية المستقلة بالكامل. ومن شأن ذلك أن يتيح العمل والتعليم والتطبيب من بُعد، وخدمات الحكومة الإلكترونية، وكلها مجالات تحتل فيها بلدانكم مرتبة مرتفعة بالفعل. وسيكون القيام بمزيد من الاستثمار في الاقتصاد الرقمي، بما في ذلك عن طريق دعم اعتماد التكنولوجيات على نطاق واسع، عاملا مساعدا على تحقيق نمو اقتصادي أكثر حيوية وشمولا للجميع.

 ولديكم فرصا لاتخاذ المسار الأخضر. فالشمس، على غرار النفط، وفيرة في المنطقة. والإمارات العربية المتحدة تعمل على الاستفادة من هذه الإمكانات، حيث تبني أكبر محطة لتوليد الطاقة الشمسية في العالم. وعند اكتمالها، ستخفض الانبعاثات بما يعادل إبعاد 470 ألف سيارة عن السير في الطرق. ويمكن تحسين كفاءة استخدام الطاقة في الأبنية أيضا.

 ونأتي إلى إتاحة الفرص، وخاصة للشباب والنساء – مثلما ناقش الكثير منا في فعالية مجموعة العشرين التي استضافتها السعودية حول هذا الموضوع. ونظرا لأن 2,5 مليون من شباب مواطني مجلس التعاون الخليجي سينضمون إلى القوى العاملة مع حلول عام 2025، فقد حان الوقت لاتخاذ إجراءات في هذا المجال. 

 وقد طبقت قطر حدا أدنى لأجور المغتربين وسهلت لهم تغيير الوظائف – مما يجعل الاقتصاد أكثر ديناميكية للجميع. وهناك أعداد أكبر من السعوديات يدخلن سوق العمل، حتى في هذه السنة العصيبة.

كيف يمكن أن يعمل الصندوق معكم

 وإذ تعملون لتطوير المزيد من السياسات على هذا الغرار، نتطلع إلى تعزيز شراكتنا القوية بالفعل مع مجلس التعاون الخليجي.

 ويقدم الصندوق مساعدات ثنائية في مجال السياسات، عن طريق الأبحاث، وكذلك دعم تنمية القدرات. وقد أطلقنا مؤخرا تقرير "آفاق الاقتصاد الإقليمي"، ودراسة عن الإنفاق الاجتماعي لتحقيق النمو الاحتوائي في المنطقة.

 ولأن الجائحة لن تنته في أي بلد في العالم إلى أن تنته في كل البلدان، فإننا نطلب إليكم استمرار دعمكم لبرامج الصندوق في مجالي تنمية القدرات والإقراض، والنظر في زيادته.

 وبفضل النموذج القوي الذي يقدمه مجلس التعاون الخليجي، ومن خلال موارد دول المجلس وصندوق النقد الدولي، يمكننا الاستمرار في إنقاذ الأرواح والأرزاق – أثناء أزمة كوفيد-19 وفيما بعدها.

 وشكرا.