تعليقات السيد جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، في المؤتمر الصحفي عن آفاق الاقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى

15 أبريل 2020

صباح الخير وأهلا بكم في اجتماعات صندوق النقد الدولي الإلكترونية لربيع عام 2020. أود أن أبدأ اليوم ببعض التعليقات عن آفاق الاقتصاد في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى والقوقاز، وأعلن إصدار تقريرنا عن مستجدات آفاق الاقتصاد الإقليمي، ثم أنتقل إلى تلقي أسئلتكم.

نحن نمر بفترة زمنية ليس لها نظير. فجائحة كوفيد-19 تشكل أزمة عالمية غير مسبوقة، ما من منطقة في العالم أفلتت منها. فقد أصيبت منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصدمتين كبيرتين تدعم كل منهما الأخرى.

أولا، سجلت كل البلدان تقريبا في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى حالات إصابة مؤكدة بفيروس كورونا. وكانت هذه الفاشية قد اجتاحت مناطق أخرى من العالم في بادئ الأمر، مما خفّض الطلب الخارجي بدرجة كبيرة. وقد أثر تباطؤ النشاط العالمي الناجم عن ذلك على سلاسل القيمة العالمية في المنطقة، وعلى قطاعات التجزئة والصناعات التحويلية الغنية بالوظائف، فضلا على المشروعات الصغيرة والمتوسطة. وفي الوقت نفسه، فإن الإجراءات الاحتوائية التقييدية التي اتخذتها حكومات المنطقة والمخاوف من الإصابة بالعدوى تضعف طلب المستهلكين، لا سيما في قطاعات السياحة والضيافة والتجزئة. ومن المتوقع أن يلحق ضرر بالغ على وجه الخصوص بالبلدان الهشة والمتأثرة بالصراعات، مما يؤدي إلى تفاقم حدة التحديات الكبيرة بالفعل التي يفرضها الوضع الإنساني ووجود اللاجئين.

ثانيا، وبالإضافة لكل ذلك، فإن الهبوط الحاد في أسعار النفط منذ بداية العام زاد من تعقيد الأمور لكثير من البلدان في منطقتنا. فالبلدان المصدرة للنفط، على وجه الخصوص، تعرضت لصدمة مزدوجة يتزامن فيها انخفاض أسعار النفط مع انخفاض أكبر في الطلب على منتجاتها.

وفي الوقت ذاته، ازدادت حدة تضييق الأوضاع المالية العالمية أيضا، مع حدوث ارتفاع حاد في نسبة العزوف عن المخاطر مما أدى إلى خروج تدفقات رأسمالية كبيرة من جميع الأسواق الصاعدة. وهو ما يضيف للتحديات التي تواجه منطقتنا.

وكانت بلدان منطقتنا سريعة جدا في استجاباتها لمواجهة الأزمة. ووفقا لما نبرزه في تقريرنا عن مستجدات آفاق الاقتصاد الإقليمي، اتخذت إجراءات لحماية الأرواح واحتواء انتشار الفيروس ودعم القطاعات المتضررة بشدة. وزادت كل البلدان إنفاقها على الرعاية الصحية لدعم تلبية الاحتياجات الطارئة والمتعلقة بالبنية التحتية. وتم الإعلان كذلك عن اتخاذ تدابير على مستوى المالية العامة في مختلف بلدان المنطقة، بمتوسط قدره 3.8% من إجمالي الناتج المحلي، وشملت تدابير على جانبي الإيرادات والنفقات. وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت البنوك المركزية في بلدان المنطقة عن اتخاذ إجراءات كبيرة لدعم السيولة، وقامت بتيسير سياساتها النقدية، واستخدمت أسعار الصرف كهامش أمان حسبما كان ذلك ملائما.

وبناء على هذه الخلفية، أستعرض اليوم الآفاق المتوقعة للمنطقة، ونتناولها بالنقاش بمزيد من التفصيل في تقرير مستجدات آفاق الاقتصاد الإقليمي.

نتوقع أن تسجل المنطقة انكماشا هذا العام، مما سيكون له أثر اقتصادي كبير. وهذا التخفيض في التوقعات بأكثر من 4 نقاط مئوية من إجمالي الناتج المحلي في سنة واحدة يساوى انخفاض الناتج الكلي للمنطقة بمقدار 425 مليار دولار. وتأتي هذه التعديلات بالنسبة لكل البلدان تقريبا أعلى من التعديلات المسجلة أثناء الأزمة المالية العالمية في 2008.

وبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان، نتوقع أن تسجل انكماشا بنسبة 3.1% هذا العام. وذلك في أعقاب تسجيل توسع بنسبة 0.7% في العام الماضي. وبينما تواجه بلدان المنطقة المصدرة للنفط صدمة مزدوجة فمن المتوقع أن تسجل انكماشا أكبر حتى من ذلك، بنسبة 4.2%. ومن جهة أخرى، ستنكمش البلدان المستوردة للنفط بنسبة قدرها 1%، بعد نموها بنسبة 3.5% في عام 2019.

وأنتقل الآن إلى منطقة القوقاز وآسيا ألوسطى، حيث نتوقع حدوث انكماش بنسبة 1% في 2020، بعد أن بلغت معدل نمو بنسبة 4.8% في أوائل العام الجاري. ونظرا لقوة الصلة بين البلدان المستوردة للنفط والغاز في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى في مجالات التجارة والسياحة وتحويلات العاملين في الخارج مع بعض المناطق الأشد تأثرا بالجائحة حول العالم فمن المتوقع أن تتأثر بدرجة أشد من غيرها، حيث يتراجع النمو من 6.2% في عام 2019 إلى -2.2% في 2020.

ومن الواضح أن المخاطر مهيمنة. فمع الصدمة المزدوجة من انخفاض الطلب العالمي وانخفاض أسعار النفط، تتعرض البلدان المصدرة للنفط لضعف أرصدة ماليتها العامة وأرصدتها الخارجية. أما البلدان المستوردة للنفط فقد تتأثر سلبا بالتراجع الكبير في تحويلات العاملين في الخارج وتدفقات الاستثمارات ورؤوس الأموال الوافدة من البلدان المصدرة للنفط. وبالإضافة إلى ذلك، تشكل الديون التي تستحق آجالها قريبا مخاطر على التمويل مع استمرار زيادة مستويات الدين العام المرتفعة بالفعل في بلدان كثيرة.

واسمحوا لي أن أنتقل الآن للحديث عن أولويات السياسات في بلدان منطقتنا.

الأولوية العاجلة هي إنقاذ الأرواح. وينبغي أن تواصل الحكومات استيعاب الإنفاق الأساسي على الصحة، وتأجيل النفقات غير الأساسية لإيجاد حيز للتصرف عند الحاجة. وفي هذا السياق، قد تكون هناك حاجة ملحة للدعم الخارجي بالنسبة لبعض البلدان، لا سيما الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات في منطقتنا نظرا لضعف بنيتها التحتية الصحية وأحوالها المعيشية.

وعلاوة على ذلك، ينبغي أن توفر السياسات الحماية لمحركات النمو، مع تخفيف الأثر الواقع على الأسر، والقطاعات الأشد تضررا، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة. وينبغي استخدام سياسة المالية العامة لضمان توفير شبكات الأمان الاجتماعي الكافية، وتقديم المساعدات المؤقتة والموجهة للمستحقين. وينبغي أن تضمن السياسات النقدية والمالية تلبية احتياجات السيولة مع الحفاظ على السلامة المالية.

وفي نهاية المطاف، ينبغي أن تهدف السياسات إلى إعادة الاقتصاد إلى مسار النمو المستدام. وقد يتطلب ذلك دعما واسع النطاق على مستوى سياسة المالية العامة والسياسة النقدية حيثما كان مجال التصرف متاحا. وفي كثير من البلدان، حيثما يكون المجال محدودا للتصرف من السياسات، سيتطلب الأمر الاستعانة بالمساعدات الخارجية. 

وكل هذه المسائل نتناولها بالتفصيل في تقريرنا عن مستجدات آفاق الاقتصاد الإقليمي، الذي نعلن اليوم أيضا عن إصداره. وقبل أن أتلقى أسئلتكم، أود أن أؤكد أهمية الدور الذي يقوم به الصندوق في بلدان منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى أثناء هذه الأزمة. فقد استجبنا سريعا لطلبات زيادة المساعدات الطارئة. وكانت جمهورية قيرغيزستان هي أول بلد عضو يستفيد من هذه المساعدات. وقد ضاعفنا كذلك حجم الموارد المتاحة بموجب مثل هذا التمويل الطارئ التي يمكن أن تستفيد منها البلدان - وهنا كانت تونس أول بلد يستفيد من هذا الدعم الإضافي. وكما تعلمون، يوفر برنامج الأردن الاقتصادي الذي يدعمه الصندوق الحيز اللازم للنفقات الحيوية المتعلقة بالصحة. وقرر المغرب مؤخرا السحب من الموارد المتاحة بموجب خط الوقاية مع الصندوق لتلبية احتياجات النفقات الجارية.

ونحن مستمرون في المشاركة في جهود كل بلداننا الأعضاء ونواصل التنسيق مع مؤسسات التنمية متعددة الأطراف والإقليمية إلى جانب الجهات المانحة من أجل خدمة بلداننا الأعضاء على النحو الأكثر فعالية قدر الإمكان.

ومرة أخرى أشكركم على انضمامكم لي في هذه الفعالية الصحفية عبر الإنترنت، ويسرني الآن أن أتلقى أسئلتكم.