موريس أوبستفلد: "طالما سعى الصندوق إلى استثمار خبراته الميدانية وأبحاثه الجديدة لتعزيز فعاليته في الرقابة الاقتصادية والمساعدة الفنية والتحرك لمواجهة الأزمات". (الصورة: صندوق النقد الدولي).
تطور لا ثورة : الصندوق يعيد النظر في السياسات
2 يونيو 2016
- من المهم للصندوق أن يعيد تقييم في فِكره
- سياسة المالية العامة ينبغي أن تدعم النمو والعدالة على المدى الطويل؛ والمشورة بشأن السياسات تختلف باختلاف البلدان والمواقف
- التدفقات الرأسمالية والتجارة على جدول أعمال البحوث المستقبلية
النشرة الإلكترونية: أوضح الصندوق في السنوات الأخيرة أنه مستعد للنظر في فكره الاقتصادي ومناهجه المعنية بالسياسات، وه ما أطلق عليه البعض وصف الثورة، فهل هو وصف صحيح؟
السيد أوبتسفلد: أود أن أصف هذه العملية بالتطور وليس الثورة. فطالما حاول الصندوق استثمار خبراته الميدانية وأبحاثه الجديدة لتعزيز فعاليته في الرقابة الاقتصادية، والمساعدة الفنية، والتحرك لمواجهة الأزمات.
ومن الإنصاف أن نقول إن الصدمة التي أحدثتها الأزمة المالية العالمية أدت بالمجتمع الأكاديمي والمعني بالسياسات على مستوى العالم إلى القيام بعملية إعادة نظر واسعة النطاق في السياسة الاقتصادية الكلية والمالية. وقد كان الصندوق جزءا من هذه العملية، ولكن بالنظر إلى تأثيرات قراراتنا على البلدان الأعضاء والنظام الاقتصادي العالمي، نرى أنه من المهم للغاية أن نواصل إجراء عمليات إعادة تقييم للفكر الذي نتبناه في ضوء الأدلة الجديدة.
ولم تؤد هذه العملية إلى تغيير جوهري في منهجنا الأساسي، والذي يقوم على الأسواق المفتوحة التنافسية، وأطر السياسات الاقتصادية الكلية القوية، والاستقرار المالي، والمؤسسات القوية. ولكنها أضافت رؤى مهمة حول أفضل السبل لتحقيق هذه النتائج على أساس قابل للاستمرار.
النشرة الإلكترونية: هل توافق على الرأي القائل بأن المقال المنشور مؤخرا في مجلة التمويل والتنمية ("الليبرالية الجديدة: هل شابها الإفراط؟") يعني حدوث تغير كبير في فكر الصندوق؟ مثلاً، هل يرى الصندوق الآن أن التقشف لا يؤتي ثماره وأنه يتسبب بالفعل في تفاقم عدم المساواة؟
السيد أوبتسفلد: لقد تعرض هذا المقال إلى سوء تفسير واسع النطاق- وهو لا يعني أي تغير كبير في منهج الصندوق.
وأعتقد أنه من المضلل صياغة السؤال على نحو يشير إلى كون الصندوق إما مع التقشف أو ضده. فما من أحد يريد تقشفا لا داعي له. إننا نؤيد سياسات المالية العامة التي تدعم النمو والعدالة على المدى الطويل. أما ماهية هذه السياسات فهو أمر يمكن أن يختلف من بلد إلى آخر ومن موقف إلى موقف.
والأمر ببساطة هو أن الحكومات عليها أن تتصرف في حدود مواردها على أساس طويل الأجل، أو تواجه نوعا من العجز عن سداد ديونها، وهو ما ينطوي بالطبع على تكلفة عالية بالنسبة للمواطنين، وخاصة الشرائح الأفقر. هذه حقيقة، وليست موقفا أيديولوجيا.
ووظيفتنا هي تقديم المشورة للحكومات حول أفضل السبل لإدارة سياسات المالية العامة بما يجنبها النتائج السيئة. ويتطلب هذا في بعض الأحيان أن نقر بوجود مواقف يؤدي فيها الإفراط في تخفيض الموازنة إلى نتائج عكسية تضر بأهداف النمو والعدالة وحتى استمرارية أوضاع المالية العامة.
النشرة الإلكترونية: كيف تتجسد إعادة النظر هذه على المستوى العملي؟
السيد أوبتسفلد: تحتاج البلدان إلى أطر مالية موثوقة متوسطة الأجل تبث في الأسواق الثقة بشأن إمكانية سداد الدين العام دون تضخم شديد الارتفاع. وعادة ما تكون لدى البلدان التي تمتلك مثل هذه الأطر مساحة لتخفيف أثر فترات الهبوط الاقتصادي عن طريق أدوات المالية العامة، بما في ذلك أدوات الضبط التلقائي.
ولسوء الحظ، سمح بعض البلدان بارتفاع الدين العام إلى مستويات عالية تهدد بفقدان قدرتها على دخول الأسواق، ولا يوجد أمامها خيار إلا التقشف حتى وهي تمر بهذه الظروف الاقتصادية العصيبة. وتشير أبحاثنا إلى أن الفقراء غالبا ما يعانون أكثر من غيرهم في مثل هذه الحالات، ولذلك فمن المهم دائما مراعاة الفئات الأشد عرضة للتأثر عند التخطيط لتصحيح أوضاع المالية العامة.
ولا شك أن هناك حدودا للمشقة التي يمكن أن تتحملها الاقتصادات أو التي ينبغي أن تتحملها، ومن ثم فنحن نوصي في الحالات بالغة الصعوبة بتعديل خصائص الدين أو تخفيضه، مما يتطلب من الدائنين تحمل جانب من تكلفة التصحيح. وهذا هو المنهج الذي نوصي به اليونان حاليا.
النشرة الإلكترونية: دقق الصندوق النظر في مسألة التدفقات الرأسمالية كجزء من عملية إعادة التقييم. إلى أين يتجه هذا العمل في رأيك في العام القادم؟
السيد أوبتسفلد: أوضحت الأزمة المالية العالمية، وكذلك الأزمات السابقة، أن طفرات التدفقات الرأسمالية الداخلة يمكن أن تُحْدِث آثارا مخلة بالاستقرار، ولا سيما إذكاء نوبات الرواج الائتماني المحلي وعدم الاستقرار المالي. وقد تسبب ذلك في جعل الاقتصادات معرضة للخطر بشدة حين تحول اتجاه التدفقات الرأسمالية فاتجهت الأموال إلى الخارج.
وفي عام 2012، اعتمد الصندوق "رؤية مؤسسية" للظروف التي يمكن أن يفيد فيها اعتماد تدابير للحد من التدفقات الرأسمالية، مستندا في ذلك إلى أمور منها العمل المهم الذي قامت به إدارة البحوث. ويضطلع الصندوق حاليا بحصر التجارب التي شهدتها السنوات الأخيرة فيما يتعلق بهذه التدابير، وبحث ما إذا كان ينبغي تعديل الرؤية المؤسسية وكيفية القيام بذلك. ومن التحديات في هذا الصدد تضمين الدور المكمل الذي تؤديه السياسات الاحترازية الكلية. وهذا مثال رائع يوضح سعينا للتعلم من التجربة وانفتاحنا للتطور الفِكري بناء على ذلك.
النشرة الإلكترونية: وماذا عن التطورات الأخيرة في التجارة العالمية – كيف ترون تراجع النشاط في إطار فِكر الصندوق؟
السيد أوبتسفلد: في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، قامت التجارة بدور رائع كقاطرة للنمو العالمي، ويمكنها الاستمرار في أداء هذا الدور.
أما التباطؤ الأخير في نمو التجارة فأسبابه غير مفهومة بالكامل – إذ تتراوح بين انخفاض الاستثمار العالمي وهبوط أسعار السلع الأولية وإمكانية انكماش سلاسل القيمة العالمية – ولكننا نرى بالفعل أن التباطؤ مُرَكّز في الأسواق الصاعدة.
وسنقدم تحليلا أشمل لهذه الظاهرة في عدد أكتوبر 2016 من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي. غير أن هناك أمرا تعلمناه عن التجارة، وهو أن نتائجها معقدة، وتشمل تغيرات الدخل وتوزيع فرص العمل التي لم تعالج على النحو الملائم في كثير من البلدان، فتسبب هذا الفشل في إحياء التوجهات الحمائية.
غير أنني أستخلص من كل ذلك أن التباطؤ الذي حدث مؤخرا في نمو التجارة قد يكون مثيرا للقلق بدرجة أو بأخرى، ولكنه لا يرجح أن يكون تطورا إيجابيا بالنسبة لأحد.