(الصورة:erhui1979 by Getty Images ) (الصورة:erhui1979 by Getty Images )

تدقيق مستندات الإنفاق المرتبط بالجائحة

بقلم: شادي الخوري، وجيرو هوندا، ويوهان ماثيسن، وإيتيان ييهويه

تضطلع الحكومات حول العالم بدور حيوي في تزويد الأفراد والشركات بالإمدادات الحيوية اللازمة للمساعدة في مكافحة الجائحة وتداعياتها الاقتصادية. ولدعم فعالية هذه الجهود، من الأهمية بمكان أن يخضع هذا الإنفاق لمستوى ملائم من الشفافية والمساءلة.

ومن أجل تحقيق هذه الغاية، دعا صندوق النقد الدولي إلى ضمان الشفافية والمساءلة في الإنفاق المرتبط بالجائحة، حتى تؤدي الأموال المنصرفة والتدابير المتخذة إلى مساعدة أكثر المواطنين احتياجا إليها، تأسياً بالحكمة القائلة "انفق ما يلزم، واحرص على توثيق المصروفات".

ويشدد الصندوق على تحسين الحوكمة من خلال زيادة الشفافية، وقد سعى إلى إرساء تدابير محددة للحوكمة في البلدان المتلقية للتمويل الذي يقدمه أثناء الأزمة. وتشمل هذه التدابير تعهدات بنشر عقود المشتريات المرتبطة بالجائحة وأسماء الملاك المستفيدين للشركات التي ترسو عليها هذه العقود، بالإضافة إلى تقارير الإنفاق على متطلبات جائحة كوفيد-19 ونتائج تدقيقها.

وتتحدد التدابير بما يتلاءم مع ظروف كل بلد ومدى حدة مخاطر الفساد فيه. وبالإضافة إلى ذلك، تلتزم كل البلدان المتلقية بإجراء تقييم للضمانات الوقائية* – وهي عملية لضمان العناية الواجبة في التحقق من سلامة التنفيذ تستهدف التأكد من قدرة البنك المركزي في البلد العضو على تقديم معلومات موثوقة ومراعاة الشفافية في إدارة الأموال التي يتلقاها من الصندوق.

ومعالجة الفساد مهمة طويلة الأجل. وتدابير الإنفاق الطارئة ليست حلا سحريا، ولن تحقق الكثير في معالجة التحديات الأكثر عمقا. وستستمر معالجة مواطن الضعف الأطول أمدا المتعلقة بالحوكمة والفساد في ظل إطار 2018 الأوسع نطاقا لتعزيز مشاركة الصندوق في قضايا الحوكمة*، مع التركيز على اتفاقات الإقراض متعددة السنوات، وعمليات الفحص السنوية للتحقق من سلامة الأوضاع في البلدان الأعضاء، وتنمية القدرات فيها.

هل يتحقق توثيق المصروفات؟

وبعد عام من الاستجابة الطارئة، أصبحت المعلومات تتوالى* عن التقدم نحو تنفيذ تدابير الحوكمة فيما يخص الإنفاق على متطلبات الجائحة.

  • عند نشر معلومات العقود، كانت معظم التعهدات قد استوفيت أو في طريقها إلى الاستيفاء، وهو ما حدث مثلاً في الجمهورية الدومينيكية وغينيا ونيبال وأوكرانيا. وفي بعض البلدان، يساهم قصور القدرات المتاحة في محدودية التقدم المحقق. وفي هذه الحالات، يقدم الصندوق مساعدات لتنمية القدرات دعماً لأعمال التنفيذ.
  • جمع ونشر معلومات عن الملاك المستفيدين في الشركات المتعاقد معها هو تدبير يهدف إلى ردع الفساد، بما في ذلك تيسير رصد التضارب المحتمل في المصالح لدى الموظفين العموميين. ويتطلب هذا أن تقدم الشركات صاحبة العطاءات أسماء الأفراد ذوي السيطرة الفعلية على الشركة، أي "الملاك المستفيدين". وتُقدَّم هذه المعلومات للجهة المسؤولة عن المشتريات، ويتعين نشرها.

    وقد ثبت في بعض الحالات أن تنفيذ هذه الممارسة المبتكرة أمرا صعبا، حيث اقتصر استيفاء هذا الالتزام أو إحراز تقدم كبير في استيفائه على نصف البلدان فحسب (بما فيها بنن وإكوادور والأردن وملاوي ومولدوفا).

    غير أن هذه التعهدات التي قطعتها البلدان في سياق الحصول على تمويل من الصندوق أثناء الجائحة ساعدت على تحفيز بعض البلدان، مثل كينيا وجمهورية قيرغيزستان، على اعتماد هذا الإصلاح بشكل دائم، أي فيما يتجاوز الإنفاق المرتبط بالجائحة.

  • وفيما يخص عمليات التدقيق للإنفاق الطارئ، عادة ما يتم تحديد موعد نهائي لإتمام هذه العمليات اللاحقة يتراوح بين 3-12 شهرا بعد نهاية السنة المالية. وبالتالي، فمن السابق لأوانه إجراء تقييم للتنفيذ – فمعظم عمليات التدقيق لا تزال في طور الإعداد استنادا إلى الأنظمة القائمة.

    غير أن بعض البلدان، مثل جامايكا وهندوراس وجزر الملديف وسيراليون، قد اتخذت إجراء مبكرا بالفعل من خلال إجراء عمليات تدقيق في الوقت الحقيقي تعتمد على مستوى المخاطر. وحيثما دعت الحاجة، يبادر الصندوق أيضا بتعزيز مساعدات تنمية القدرات لمعاونة المؤسسات العليا للرقابة المالية على الاضطلاع بمسؤوليتها، مع دعم الجهود المبذولة لضمان سهولة استرجاع هذه المعلومات.   

  • وفيما يخص إعداد التقارير عن الإنفاق المرتبط بالجائحة، بدأت معظم البلدان، أو ستبدأ قريبا، في إصدار تقارير علنية عن تنفيذ هذا الإنفاق.
  • ويتم حاليا بوتيرة سريعة إجراء تقييمات للضمانات الوقائية، مع ملاحظة التسارع الكبير الذي طرأ على وتيرة إجرائها منذ بداية الجائحة.

معالجة تحديات أعمق

وإلى جانب هذه التدابير التي تركز على المساءلة والشفافية في الاستجابة للأزمة، هناك تقدم جارٍ في الإصلاحات الأوسع نطاقا المتعلقة بالحوكمة ومكافحة الفساد، في سياق اتفاقات تمويلية متعددة السنوات مع الصندوق.

وتغطي هذه الإصلاحات عدة مجالات، منها حوكمة المالية العامة في بلدان مثل إكوادور*، وغامبيا*، والأردن، وليبريا*، ورواندا*، والسنغال*؛ وأطر مكافحة الفساد وغسل الأموال في أنغولا*، وأرمينيا*، وجمهورية الكونغو*، وكينيا*، وتونس*؛ والإشراف على القطاع المالي وحوكمة البنك المركزي في ليبريا* وأوكرانيا*، إلى جانب بلدان أخرى.

بخلاف التمويل من الصندوق

تمثل الشفافية والمساءلة في الاستجابة للأزمة مطلبين مهمين لكل البلدان، بغض النظر عن مستويات دخلها، ولا شك أنها تدابير متعارف عليها في كثير من البلدان غير تلك المتلقية للتمويل من الصندوق.

وتتباين الجهود المبذولة في هذا الصدد. فعلى سبيل المثال، تنشر بعض البلدان معلومات شاملة عن الإنفاق في بوابات إلكترونية مخصصة للشفافية، مثل البرازيل وكولومبيا وكوستاريكا وفرنسا وبيرو. وهناك بلدان أخرى، مثل كوريا الجنوبية، تجري عمليات تدقيق خارجية متكررة للتحقق من سلامة الإنفاق المرتبط بالجائحة. أما البعض الآخر فيضع إرشادات واضحة للمشتريات الطارئة، مثل إسبانيا، و/أو يرصد تضارب المصالح عن طريق تحليل بيانات الملاك المستفيدين والإفصاحات المالية لكبار المسؤولين العموميين، كما هو الحال في رومانيا.

ومن خلال الفحص المنتظم لسلامة اقتصادات البلدان الأعضاء في إطار مشاورات المادة الرابعة، وكذلك الحوار المنتظم بشأن السياسات، يواصل خبراء الصندوق مناقشة قضايا الشفافية والمساءلة في الإنفاق المرتبط بالجائحة على وجه الخصوص، مثلما هو الحال في بولندا*، والمملكة المتحدة*، والولايات المتحدة*، وبشكل أعم، في تدابير المالية العامة والسياسة النقدية والقطاع المالي.

البناء على التقدم

وسيكون من الضروري مواصلة الانخراط مع البلدان الأعضاء بشأن الحوكمة ومكافحة الفساد لدعم فعالية تنفيذ الإصلاحات التي تضطلع بها في فترة الجائحة وما بعدها. ومن العناصر الأساسية في هذا الصدد تنفيذ إطار 2018* الذي وضعه الصندوق – والذي لا يزال يعتبره من الأولويات ويمتد نطاقه من مكافحة الفساد إلى معالجة حوكمة المالية العامة، والإشراف على القطاع المالي، وحوكمة البنوك المركزية، وتنظيم السوق، وسيادة القانون، وأطر مكافحة غسل الأموال. ونظرا لأن القدرات الضرورية لتنفيذ تدابير الحوكمة تتباين تبعا للبلد المعني ونوع التدبير المطلوب، فسيواصل خبراء الصندوق أيضا تقديم مساعدات لتنمية القدرات المطلوبة لمعالجة هذه القضايا بما يتلاءم مع احتياجات كل بلد عضو، من خلال قنوات مثل المساعدة الفنية والتدريب وتنظيم الندوات عبر المنصات الإلكترونية.

وسيجري الصندوق في منتصف عام 2022 استعراضا للتقدم في تنفيذ إطار 2018، بغية تقييم الطرق الملائمة لمواصلة دعم البلدان الأعضاء في جهودها لتعزيز الحوكمة.

وستعتمد جهود تعزيز الحوكمة بصورة أكثر حسما على تبني الإصلاحات من جانب القيادات السياسية العليا، والتعاون الدولي، والقيام بجهد مشترك مع المجتمع المدني والقطاع الخاص، إلى جانب الأطراف المعنية الأخرى. وسيتطلب التقدم أيضا استمرار تنفيذ الإصلاحات طوال فترة ممتدة. وليس هذا التقدم بالأمر الهين، ولكنه مع ذلك قابل للتحقيق – وهو ضروري للمساهمة في تحقيق نمو اقتصادي أقوى وأكثر شمولاً للجميع.

*بالانجليزية

*****

شادي الخوري هو نائب رئيس وحدة النزاهة المالية في إدارة الشؤون القانونية بصندوق النقد الدولي. وتشمل مجالات خبرته مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ومكافحة الفساد، وقضايا الحوكمة والنزاهة الأوسع نطاقا. وقبل التحاقه بالصندوق، في عام 2007، كان يعمل في وحدة الإخبار المالي (هيئة التحقيق الخاصة) بمصرف لبنان. وقد تلقى تعليمه القانوني والمالي في كل من لبنان وفرنسا.

جيرو هوندا يعمل نائب رئيس قسم في إدارة شؤون المالية العامة بصندوق النقد الدولي. وبعد التحاقه بالصندوق في عام 2001، عمل في إدارة المالية والإدارة الإفريقية، بما في ذلك عمله رئيس بعثة لكل من ليسوتو وناميبيا وإسواتيني. وقبل انضمامه إلى الصندوق، عمل في بنك اليابان، بما في ذلك تقلده منصب ممثل البنك في هونغ كونغ. وتشمل اهتماماته البحثية سياسة المالية العامة (سياسة الإنفاق، وتعبئة الإيرادات، والمضاعِف المالي)، والتنمية الاقتصادية، والقطاع المالي، والحوكمة والفساد.

يوهان ماثيسن هو نائب رئيس قسم في إدارة الاستراتيجيات والسياسات والمراجعة بصندوق النقد الدولي. ومنذ التحاقه بالصندوق في عام 1998، عمل في الإدارة الإفريقية، وإدارة الإحصاءات، والإدارة الأوروبية، وتقلد منصب ممثل مقيم للصندوق في مولدوفا ومستشار لشؤون المساعدة الفنية في مركز المساعدة الفنية الإقليمي في منطقة شرق إفريقيا (AFRITAC East) ومقره تنزانيا. وتتضمن اهتماماته البحثية التحول الرقمي، ومواطن الضعف الاقتصادية الكلية، والحوكمة والفساد.

إيتيان ييهويه يعمل اقتصاديا في صندوق النقد الدولي. وله أعمال في مجال السياسات وأبحاث أكاديمية منشورة ضمن مطبوعات الصندوق البحثية والمتعلقة بالسياسات، والدوريات المتخصصة الخاضعة لمراجعة النظراء، والكتب، وهي تغطي نطاقا واسعا من القضايا المعنية بالاقتصاد النقدي والمالي، والشراكات بين القطاعين العام والخاص في مجال البنية التحتية، والنمو الاقتصادي، والحوكمة. وقد مُنِح جائزة سيدني كنافيل من مركز ويذرهيد للشؤون الدولية بجامعة هارفارد في عام 2003 على عمله المعني بالاتحادات النقدية. وقد عمل من قبل في مركز التنمية الدولية وكان رئيس السياسات للمجموعة الإفريقية في جامعة هارفارد، وقام بتدريس دورات عن أسواق رأس المال الدولية واقتصاد التنمية في جامعتي جورجتاون وهارفارد. وهو حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة هارفارد.