(الصورة: alvarez/iStock by Getty Images) (الصورة: alvarez/iStock by Getty Images)

رؤية جديدة لجدول أعمال المناخ في الولايات المتحدة

بقلم: إيان بيري

على مدار العقد القادم، ينبغي تخفيض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري على مستوى العالم بنسبة تتراوح بين 25% و 50%* حتى تتخذ المسار الصحيح لتحقيق هدف اتفاق باريس لعام 2015 بشأن تغير المناخ والذي ينص على حصر الاحترار العالمي في حدود 1,5-2 درجة مئوية.

وتعتزم الولايات المتحدة أداء دورها في هذا الخصوص. فهي تتعهد في خطتها للمناخ بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، مع استهداف مستوى من الانبعاثات لعام 2030 يتم إعلانه في وقت قريب.

وتتوخى الخطة تطبيق معايير أقوى لكفاءة استهلاك الطاقة، وتقديم إعانات لدعم التكنولوجيا النظيفة، وإتاحة تمويل عام قدره تريليوني دولار أمريكي على مدار عشر سنوات من أجل البنية التحتية للطاقة النظيفة والتكنولوجيات ذات الأهمية الحرجة، مثل الهيدروجين الأخضر.

وتعتبر هذه الخطة الأولية بداية ممتازة. وبحثنا الجديد* يسلط الضوء على إجراءات مالية محددة يمكن أن تساعد على كبح الانبعاثات والتوسع في دعم السياسات التي تعالج تغير المناخ.  

تقل الانبعاثات العالمية المتوقعة لعام 2020 عن مستويات عام 2019 بنحو 7% 

دواعي تسعير الكربون

نأخذ، على سبيل المثال، مسألة تطبيق رسم على الكربون. فإذا طُبق نظام على المستوى القومي لتسعير انبعاثات ثاني أكسيد الكربون – من خلال ضريبة على الكربون، مثلاً - فمن شأن ذلك أن يخفض قدرا كبيرا من التكاليف الاقتصادية التي يتطلبها الوصول إلى مستوى الانبعاثات المستهدف. ذلك أن الضريبة سترفع سعر أنواع الوقود والكهرباء ذات الانبعاثات الكربونية الكثيفة، ومن ثم تقدم حوافز لخفض استهلاك الطاقة والتحول إلى أنواع وقود أنظف في كل القطاعات. وستساهم الضريبة أيضا في تحفيز الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة. وسيؤدي تسعير الكربون أيضا إلى زيادة تعبئة الإيرادات وخفض الوفيات الناجمة عن تلوث الهواء المحلي، وستكون إدارته بسيطة ومباشرة. ويمكن للحكومة دمج رسوم الكربون في ضرائب البنزين والديزل الفيدرالية، على سبيل المثال، وتوسيع نطاقها لتشمل الفحم والغاز الطبيعي وغيرهما من المنتجات البترولية.

ومثل هذه السياسة ستكون بالغة الفعالية في خفض الانبعاثات. وكمثال توضيحي، إذا طُبقت ضريبة على الكربون تتصاعد قيمتها إلى 50 دولارا للطن مع حلول عام 2030، فسوف تنخفض انبعاثات الولايات المتحدة من ثاني أكسيد الكربون بنسبة 22%. وبالإضافة إلى ذلك، فمن شأن هذا أن يرفع الإيرادات بنحو 0,7% من إجمالي الناتج المحلي سنويا.

وهناك زخم دولي متزايد بشأن تسعير الكربون. فقد ظهرت مؤخرا أنظمة تداول تراخيص إطلاق الانبعاثات الكربونية في الصين وكوريا وألمانيا، بينما بدأت كندا في رفع سعر الكربون وصولا إلى 135 دولار أمريكي في عام 2030. ولا تزال المعارضة لتسعير الكربون قوية في الولايات المتحدة – إذ فشلت تسعة مشاريع قوانين بشأن ضريبة الكربون* في تحقيق تقدم في الكونغرس منذ عام 2018 – ولكن هناك استراتيجيات لتوسيع نطاق التأييد لها.

وأحد الاعتبارات الأساسية الحساسة في هذا السياق هو الأثر المحتمل على أسعار الطاقة – فضريبة كربون قدرها 50 دولارا أمريكيا من شأنها زيادة السعر المستقبلي للبنزين والكهرباء والغاز الطبيعي بنسبة 15% و 40% و 100%، على الترتيب. والعبء الذي تتحمله الأسر نتيجة لذلك هو عبء تنازلي في البداية – إذ يصل إلى 1,6% من استهلاك الفئة التي تحتل الخُمس الأدنى من مستويات الدخل، و0,9% فقط بالنسبة للفئة التي تشغل الخُمس الأعلى منها. غير أن هذه الأرقام تنطبق على ما قبل استخدام إيرادات ضريبة الكربون لتعويض الفئة الأكثر تأثرا بهذا الإجراء؛ فتعويض أصحاب الدخول التي تمثل أدنى 40% من شرائح الدخل لن يتطلب إلا 25% من هذه الإيرادات. ويمكن توجيه باقي الإيرادات إلى استثمارات إنتاجية أخرى، مثل الإنفاق على البنية التحتية النظيفة، أو إجراء تخفيضات في ضرائب العمل المرهقة.  

الحفاظ على التنافسية

وتقترح خطة المناخ أيضا تطبيق آلية تعديل حدودية لسعر الكربون. وبموجب هذه الآلية، يُفرض رسم إضافي على بعض السلع ذات الانبعاثات الكربونية الكثيفة المستوردة من بلدان لا تطبق سعرا معادِلا لسعر الكربون المعمول به في الولايات المتحدة، وذلك لتعويض الفرق. وفي المقابل، يمكن استرداد رسم الكربون عن البصمة الكربونية لأي منتَج أمريكي يُصدَّر إلى هذه البلدان. والاتحاد الأوروبي ماضٍ في تطبيق هذه الآلية، وهناك بلدان أخرى تفكر في تطبيقها*. وإذا استحدثت الولايات المتحدة تسعير الكربون، فإن تطبيق الآلية المقترحة لتعديل سعر الكربون على الحدود يمكن أن يحافظ على تنافسية منتجات الصلب والألومنيوم الأمريكية وغيرهما من المنتجات كثيفة الاستخدام للطاقة، على الأقل إلى أن يتم التنسيق بين البلدان فيما يخص تسعير الكربون.

وفي ظل أي استراتيجية لتخفيف الانبعاثات، سيتيح التحول إلى الطاقة النظيفة كثيرا من الفرص في قطاعات مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة، بينما سيؤثر سلبا على بعض الصناعات القائمة. ومن ثم، سيتعين اتخاذ إجراءات لمساعدة العمال والمناطق المعرضين للتأثر في هذه القطاعات.

تعزيز الحوافز على المستوى القطاعي

وإذا ظل تسعير الكربون مقيدا بالاعتبارات السياسية وغيرها من العوامل، فستكون هناك حاجة لتعزيزه باستخدام أدوات أخرى. ومن المناهج الواعدة في هذا الصدد استخدام نظام الرسوم والتخفيضات (freebates) الذي يفرض رسما على المنتجات أو الأنشطة ذات المعدلات العالية من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ويمنح تخفيضات على المنتجات أو الأنشطة ذات المعدلات المنخفضة من هذه الانبعاثات.

ففي قطاع النقل، على سبيل المثال، يمكن تطبيق ضريبة على المركبات الجديدة تساوي حاصل ضرب سعر الكربون في الفرق بين انبعاثات المركبة لكل ميل ومتوسط الانبعاثات لأسطول المركبات، في متوسط الأميال التي تقطعها المركبة على مدار عمرها التشغيلي. وباستخدام نظام الرسوم والتخفيضات بسعر افتراضي قدره 200 دولار لكل طن من الانبعاثات، نصل إلى إعانات دعم قدرها 5000 دولار للمركبات الكهربائية، ورسم إضافي قدره 1200 دولار على كل مركبة يبلغ استهلاكها للوقود 30 ميلا للغالون. وسوف تنخفض إعانات الدعم للمركبات النظيفة (وترتفع الضرائب على السيارات عالية الانبعاثات) مع انخفاض معدل الانبعاثات بمرور الوقت. ويمكن تطبيق نظم شبيهة على قطاعات أخرى، بما في ذلك توليد الكهرباء، والصناعة، والمباني، وزراعة الغابات، والزراعة.   

وقد يحظى مزيج الرسوم والتخفيضات بقبول أكبر مما يلقاه تسعير الكربون، لكونه يتجنب إحداث زيادة كبيرة في أسعار الطاقة (إذ لا يوجد في هذه الحالة أي تمرير للأثر من إيرادات ضرائب الكربون إلى ارتفاع أسعار الطاقة). وفي نفس الوقت، فلن تؤدي إلى تشجيع بعض الاستجابات التي يستحثها تسعير الكربون؛ فعلى سبيل المثال، على عكس ضرائب الوقود الأعلى، نجد أن نظام الرسوم والتخفيضات لا يشجع على الحد من قيادة السيارات. غير أنه غالبا ما يكون أكثر مرونة ومردودية للتكلفة مقارنة باللوائح التنظيمية، كما أنه يتجنب إنشاء تكلفة على المالية العامة (على عكس إعانات دعم التكنولوجيا النظيفة).

التنسيق الدولي عامل أساسي

وتعتزم الولايات المتحدة العمل على رفع مستوى الطموح بشأن تخفيف آثار تغير المناخ لدى كبرى البلدان المُصْدِرة للانبعاثات. وفي هذا السياق، يمكن أن يساعد التنسيق الدولي من خلال تهدئة المخاوف تجاه التداعيات المحتملة على التنافسية واحتمالات تراجُع البلدان عن التزامات التخفيف. وهناك آلية واعدة مكملة لتعهدات البلدان في إطار اتفاق باريس، وهي آلية الحد الأدنى الدولي لسعر الكربون التي تقتضي موافقة كبرى البلدان المُصْدِرة للانبعاثات على تطبيق حد أدنى لسعر انبعاثاتها الكربونية. ويمكن تصميم الحد الأدنى السعري بصورة عادلة، حيث تُفرَض اشتراطات أشد صرامة على الاقتصادات المتقدمة، أو تقدَّم مساعدات للاقتصادات منخفضة الدخل، أو كليهما. ويمكن تطبيقه بمرونة أيضا لإفساح المجال أمام مناهج بديلة لها آثار مماثلة على الانبعاثات في البلدان التي تصعب فيها عملية التسعير.

تصْدِر الولايات المتحدة والصين نصف انبعاثات الكربون في السيناريو الأساسي المتوقع لعام 2030 

والولايات المتحدة، باعتبارها ثاني أكبر مُصْدر للانبعاثات في العالم، ينبغي أن تتخذ إجراءات حاسمة للمساعدة على تحقيق الانخفاضات المستهدفة في الانبعاثات العالمية على مدار العقد القادم. وينبغي للإدارة الأمريكية أن تغتنم هذه الفرصة لاعتماد مناهج مبتكرة يمكن أن تعطي دفعة لجدول أعمال المناخ على كل الجبهات.

* بالانجليزية

مدونات حديثة