مجلة التمويل والتنمية, ديسمبر 2017 • المجلد 54 • العدد 4    النص

وقت التحرك العملي

أمام بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فرصة سانحة لإجراء الإصلاحات اللازمة بما يكفل الرخاء لعقود قادمة

جهاد أزعور

كانت انتفاضات عام 2011 إيذانا بفترة من التغير غير المسبوق في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وبينما استحوذت المطالبات بالتحول السياسي على اهتمام العالم، كان الدافع الأساسي وراء هذه الدعوات هو القضايا الاجتماعية/الاقتصادية غير المحسومة. فطاف المتظاهرون شوارع القاهرة وتونس مطالبين بحقهم في "العيش والكرامة والعدالة الاجتماعية"، معبرين بذلك عن طموحات الأغلبية في الحصول على حقوقهم الاقتصادية الأساسية، إلى جانب المطالبة بمزيد من الرخاء والعدالة.

وبعد قرابة سبعة أعوام، نجد أن تقدما ملحوظا قد تحقق من حيث إصلاحات المالية العامة. لكن هذه الإصلاحات لا يزال أمامها شوط طويل حتى تتمكن من تقليص التفاوتات في توزيع الثروة داخل معظم بلدان المنطقة أو تضييق فوارق التنمية فيما بينها. فقد أدت الصراعات الإقليمية المطولة، وانخفاض أسعار النفط، وضعف الإنتاجية، وعدم جودة الحوكمة، إلى إلحاق خسائر فادحة بالمنطقة. ولم يكن النمو قويا بالدرجة الكافية لإحداث خفض ملموس في البطالة، حتى بلغ تعداد الشباب غير العاملين نسبة مذهلة قدرها 25% حاليا .

ونتيجة لذلك، تواجه الآن بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خيارا صعبا بين التقشف لفترة قصيرة والمثابرة في إتمام الإصلاحات طويلة الأجل التي يتعين القيام بها لتأمين رخائها الاقتصادي في المستقبل. فالتخلي عن التعديلات الاقتصادية المهمة المطلوبة لتعزيز النمو الاحتوائي وتحديث القطاعين العام والخاص من شأنه أن يعود بالمنطقة إلى الوراء، ربما لعدة عقود مضت. ويتيح الاقتصاد العالمي بظروفه المواتية فرصة مواتية للتعجيل بوتيرة الإصلاح.

وقد حافظت بلدان المنطقة على استقرار اقتصادها الكلي، لكن النمو كان أبطأ بكثير من المستوى المطلوب لمواكبة تزايد السكان، مما أسفر عن ارتفاع مستمر في البطالة. فمتوسط النمو الاقتصادي لم يتجاوز 3.6% سنويا منذ عام 2011، وهو ما يقل عن العقد الماضي بمقدار الثلث (انظر الرسم البياني 1). ولا يبدو معدل البطالة الكلي البالغ 10% مثيرا للقلق، ولكنه يتراوح بين أقل من 1% في قطر وأكثر من 18% في الأردن، كما أنه مرَكّز في النساء والشباب أكثر من أي فئة سكانية أخرى. ولن يؤدي الإبقاء على الوضع الراهن إلا إلى تفاقم الأمور. وتشير تقديرات الصندوق إلى أن استمرار معدلات النمو السائدة منذ عام 2011 يمكن أن يرفع متوسط البطالة إلى أكثر من 14% بحلول عام 2030.

وبالإضافة إلى ذلك، تكبدت المنطقة خسائر فادحة بسبب الصراعات في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا واليمن التي أودت بحياة ما يقدر بنصف مليون نسمة منذ عام 2011، وأسفرت عن نزوح 12 مليون نسمة في سوريا وحدها. وكان الأثر الاقتصادي مدمرا، إذ أصيبت المنازل والمستشفيات والطرق والمدارس بالتلف أو الدمار، بتكلفة تقديرية تعادِل أربعة أضعاف إجمالي الناتج المحلي السابق على الأزمة. وبالطبع، يضيف نزوح اللاجئين من مناطق الصراع ضغوطا كبيرة على الميزانيات والبنية التحتية وأسواق العمل والإسكان في البلدان المضيفة، مثل لبنان والأردن. كذلك أدت الصراعات إلى إرباك أنشطة التجارة والسياحة والاستثمار.

وفي نفس الوقت، تعاني البلدان المصدرة للنفط من الانخفاض الحاد في أسعار الطاقة الذي أدى إلى عجوزات كبيرة في المالية العامة فضلاً عن تراجُع النمو. ففي متوسط الحالات، زادت العجوزات بأكثر من 10% من إجمالي الناتج المحلي في 2016، وتضاعف الدين العام إلى أكثر من 30% من إجمالي الناتج المحلي منذ عام 2014. لكن هذه الأرقام تحجب وراءها جهودا كبيرة لتخفيض العجز. فقد تحسن الرصيد الأولي غير النفطي – الذي يستبعد أثر أسعار النفط ويمكن اعتباره مقدار الجهد المالي الذي تبذله الحكومات في تحصيل الإيرادات - بأكثر من 12 نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي منذ عام 2014.

كذلك لا يزال عجز الموازنات العامة مرتفعا في البلدان المستوردة للنفط، وإن كانت هذه البلدان مستفيدة من انخفاض أسعار النفط (انظر الرسم البياني 2). وتتجاوز العجوزات 6% من إجمالي الناتج المحلي في المتوسط، كما تزيد مستويات الدين على 90% من إجمالي الناتج المحلي في مصر والأردن ولبنان. وبالرغم من أن هذه البلدان تمكنت من خفض العجز بما يكفي للحفاظ على استقرارها الاقتصادي، فإنها تحتاج إلى توفير موارد إضافية لمعالجة القضايا الاجتماعية والتنموية. ومن المتوقع أن يرتفع النمو إلى أكثر من 4% هذا العام نتيجة لزيادة الاستهلاك الخاص والصادرات.

خطط التنمية

ويدرك صناع السياسات في المنطقة أن هناك حاجة لخلق مزيد من فرص العمل وتقوية النمو ومن ثم فقد أضافوا هذه الأهداف، إلى جانب تعزيز الطابع الاحتوائي للنمو، إلى خطط التنمية الوطنية. وإذا أحسنوا تنفيذ هذه الخطط، فسوف تقطع شوطا طويلا نحو تحقيق هذه الأهداف. وسيكون من المهم بوجه خاص إدراك الحاجة إلى منح المرأة حقوقا مساوية للرجل وزيادة مشاركتها في سوق العمل. وقد اتخذت خطوات في الاتجاه الصحيح مؤخرا – بما فيها قرار المملكة العربية السعودية بالسماح للمرأة بقيادة السيارات – ولكن المزيد لا يزال مطلوبا في هذا الخصوص. وستكون سياسات التعليم وسوق العمل أمرا أساسيا أيضا، لأن الشباب دون سن الثلاثين يشكلون حوالي 60% من مجموع السكان . ومع توفير الفرص والتعليم المناسبين، يمكن لشباب المنطقة أن يستحثوا نموا اقتصاديا غير مسبوق وتحقيق مكاسب من هذه الميزة الديمغرافية على غرار ما فعلته النمور الآسيوية منذ بضعة عقود.

وتبذل الحكومات جهودا لتنشيط التجارة والاستثمار. وفي هذا السياق، تم تخفيض الحواجز التجارية في كثير من البلدان – من الأردن إلى المملكة العربية السعودية. وانضمت المغرب وتونس إلى "ميثاق مجموعة العشرين مع إفريقيا" الذي يهدف إلى تشجيع الاستثمارات الخاصة المنتظر أن تساعد على تحسين البنية التحتية. وقام الأردن والمغرب وتونس بجهود لتنويع قاعدة الصناعة التحويلية، ودعم الصادرات، وزيادة فرص العمل. فعلى سبيل المثال، تمكن المغرب من جذب شركات صناعة السيارات، بما فيها مجموعة بي إس إيه بيجو سيتروين ومجموعة رينو، عن طريق توفير البنية التحتية ذات الكفاءة وإمدادات الكهرباء الجيدة والعمالة الماهرة.

ونتيجة لذلك، يهدف قطاع السيارات المغربي إلى خلق 90 ألف فرصة عمل مع حلول عام 2020. ما مقدار النمو الذي يمكن أن يتحقق مع زيادة التجارة؟ تشير تقديرات الصندوق إلى أن المنطقة إذا تمكنت من مضاهاة أفضل تحسن حققته لمدة عام حتى الآن في مجال الانفتاح، فسوف يرتفع المعدل السنوي المتوسط للنمو الاقتصادي نقطة مئوية واحدة على مدار الخمس سنوات القادمة، مقارنة بتنبؤاتنا الأساسية التي تشير إلى نمو قدره 3.3% .

خلق فرص العمل

كذلك تضع الحكومات خلق فرص العمل في صدارة جدول أعمال السياسات. وتهدف خططها في هذا الخصوص إلى تنمية القطاع الخاص عن طريق توفير فرص عمل أفضل للشباب والنساء وزيادة فرص الحصول على التمويل، كما تسعى إلى توفير خدمات عامة أفضل، وتحسين الشفافية والمساءلة، والمساهمة في زيادة حجم وكفاءة الإنفاق للأغراض الاجتماعية والاستثمارية. وقد تصدر كثير من هذه الموضوعات النقاش بالفعل في عام 2014 حين اجتمع قادة المنطقة في عمان لتحديد السياسات التي تعطي دفعة للوظائف والنمو والعدالة في العالم العربي، وهي لا تزال تحتل موقعا مركزيا في حوارنا اليوم على خلفية مطالبة المواطنين بتغيير أسرع وأعمق.

الحكومات تبذل جهودا لتنشيط التجارة والاستثمار : ولحسن الحظ، تساعد زيادة النمو العالمي والابتكارات التكنولوجية العالمية على خلق بيئة مواتية للإصلاحات. وسيستغرق الأمر وقتا حتى تتحقق النتائج، ولذلك ينبغي أن يسارع صناع السياسات بالتحرك العاجل وليس الآجل، واغتنام فرصة تعزيز الاستقرار الاقتصادي وتشجيع النمو بما يعود بالنفع على المجتمع ككل.

وينبغي أن تعمل الحكومات على وضع وتنفيذ جداول أعمال للنمو الاحتوائي، أي خطط عمل للمدى المتوسط توفر حلولا عملية للأولويات الملحة وتساعد على استعادة ثقة المستثمرين والمواطنين. وهناك خمسة روافع سيكون دورها حيويا في هذا الخصوص: سياسة المالية العامة السليمة، والشمول المالي، وإصلاح سوق العمل والنظام التعليمي، وتحسين الحوكمة، وتعزيز مناخ الأعمال. وسيؤدي هذا المنهج أيضا إلى تمكين الحكومات من إعادة النظر في نماذج النمو التي تعتمد عليها والانتقال بالتدريج إلى تنفيذ عقود اجتماعية أكثر عدالة، مع الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي. والخطوة الأولى هي وجود رؤية تلهم المواطنين، على أن يعقبها تحديد الأهداف ووضع استراتيجية لتحقيقها.

ولا تزال إصلاحات المالية العامة أهم رافعة من روافع السياسة لتشجيع النمو الاحتوائي. ويمكن للبلدان التي تمتلك هوامش وقائية أكبر في ماليتها العامة ومستويات مديونية أقل أن تقوم بتخفيض العجز تدريجيا لتجنب تعطيل النمو بلا داع. أما البلدان التي تعاني عجزا كبيرا ومستويات مديونية مرتفعة، مثل الأردن ولبنان وموريتانيا، فينبغي أن تكثف جهودها المبذولة لتخفيض العجز.  

إصلاحات المالية العامة

من الطرق الممكنة لتخفيض العجز تعبئة مزيد من الإيرادات من خلال توسيع القاعدة الضريبية. ويبلغ متوسط نسبة الضريبة إلى إجمالي الناتج المحلي في المنطقة أقل من 10%، وهي نسبة منخفضة مقارنة بمتوسط الأسواق الصاعدة الذي يبلغ 18% . وسيساعد في هذا الخصوص أيضا تخفيض الإعفاءات ومكافحة التهرب الضريبي وتطبيق ضرائب أكثر تصاعدية على الدخل الشخصي، بالإضافة إلى تقليص فاتورة الأجور الباهظة في القطاع العام. ويشكل كل هذا حوالي 10% من إجمالي الناتج المحلي في دول مجلس التعاون الخليجي الست، مقارنة بمتوسط 6% في الاقتصادات الصاعدة والنامية ككل. وسيساعد تضييق الفارق بين أجور القطاعين العام والخاص على استيعاب 27 مليون شابا من المتوقع دخولهم سوق العمل في الخمس سنوات القادمة، علما بأن كثيرا من الشباب المؤهلين يفضلون البقاء دون عمل لفترات طويلة في انتظار توافر وظائف مجزية في القطاع العام.

وقد أوضحت تجربة بعض البلدان بالفعل أنه يمكن استخدام الوفورات التي تحققها مثل هذه الإجراءات لزيادة الاستثمار والإنفاق على الخدمات الاجتماعية الضرورية. فهناك أحد عشر بلدا استعاضت عن دعم الوقود الذي يطبق على كل السكان بتحويلات نقدية موجهة إلى الفقراء. ومن بين هذه البلدان مصر، التي رفعت التحويلات النقدية الموجهة بمقدار عشرة أضعاف لتصل إلى 1.7 مليون أسرة على مدار عامين. ولكن التقدم متفاوت، وثمة حاجة لزيادة الإنفاق الاجتماعي لتحقيق تحسن ملموس في النمو ومستويات المعيشة على المدى المتوسط. وسيساعد في هذا الصدد التعجيل ببيع الشركات المملوكة للدولة – وكذلك اختيار وإدارة مشروعات تحقق عائدا اقتصاديا كبيرا لتحسين جودة الاستثمارات العامة.

ومن خلال زيادة فرص التمويل، ستقطع هذه البلدان شوطا طويلا نحو تشجيع نشاط القطاع الخاص. فنحو ثلثي السكان لا يملكون حسابات مصرفية، كما تبلغ نسبة القروض المصرفية التي تقدم للشركات الصغيرة والمتوسطة 2% من إجمالي الناتج المحلي، وهي من أقل النسب على مستوى العالم. ومن شأن تحسين إمساك الدفاتر في الشركات أن يزيد من فرص الحصول على التمويل لأنه يتيح للبنوك تقييم المخاطر الائتمانية بسهولة. كذلك ينبغي تحقيق مزيد من التطور في أسواق رأس المال حتى يسهل على الشركات الحصول على التمويل من خلال الأسهم والدين.

الاستعانة بالتكنولوجيا

ونظرا لأن 60% من سكان المنطقة يستخدمون الهواتف المحمولة، فإن التكنولوجيا المالية تقدم فرصة لتوفير الخدمات المالية لعدد أكبر من المستهلكين. لكن معظم بلدان المنطقة لم تعتمد إصلاحات تسمح للمؤسسات غير المصرفية بدخول هذا المجال. وينبغي للأجهزة التنظيمية أن تضع أطرا تشجع الابتكار مع حماية خصوصية المستهلكين والبيانات ومنع أنشطة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

سيكون التقدم محدودا لو لم تتح للنساء، اللاتي يشكلن نصف السكان، فرصا للنجاح : وبشكل أعم، يمكن للتكنولوجيا أن ترفع الإنتاجية والنمو. وهناك فرص كبيرة واعدة تقدمها التكنولوجيا الخضراء على وجه الخصوص، بما في ذلك الطاقة الشمسية. ولكن بينما يمكن للتكنولوجيا أن تجعل العمالة أكثر كفاءة وتخلق فرص عمل في القطاعات الجديدة، فقد تتسبب أيضا في إلغاء الحاجة لبعض الوظائف. ويمكن أن يستمر اتساع فجوات الدخل والتوظيف إذا لم يعاد إدماج هذه العمالة في الاقتصاد على نحو فعال.

ومن هنا تأتي أهمية تحسين التعليم والتدريب. وفيما عدا بضعة بلدان، مثل البحرين ومصر والمملكة العربية السعودية، نجد أن نسبة البالغين في سن العمل الحاصلين على تعليم بعد الثانوي أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 17% . وينبغي زيادة تركيز العملية التعليمية على المهارات التي يتطلبها أصحاب الأعمال في الصناعات المختلفة مثل الإلكترونيات والسيارات والطائرات والتكنولوجيا المالية.

وسيكون التعليم عاملا أساسيا أيضا في تشجيع المساواة بين الجنسين. فمعدل مشاركة النساء في سوق العمل لا يتجاوز ثلث مشاركة الرجال. وتساعد السياسات التي تشجع المرأة على العمل، مثل ساعات العمل المرنة وخدمات رعاية الطفل، على إدخال أعداد أكبر من النساء في سوق العمل الرسمية وتعزيز الإنتاجية والنمو. ولكن هذه السياسات هي البداية فقط. فمن الصعب أن نتصور مستقبلا اقتصاديا مشرقا للمنطقة دون تغييرات عميقة في التصورات الجامدة للأدوار الاجتماعية ومساهمات الجنسين. وينبغي أن تكون المساواة في فرص الحصول على التمويل والتدريب والتكنولوجيا هي ركيزة تمكين المرأة والسماح لها بالمنافسة على قدم المساواة مع الرجل.

بناء الثقة

إلى جانب نقص الوظائف، كان الفساد وعدم الكفاءة من أسباب الاستياء الشعبي الذي أشعل انتفاضة المنطقة. ولن يقتصر أثر تحسين الحوكمة على المساعدة في علاج الشكاوى الاجتماعية، بل إنه سيؤدي أيضا إلى تعزيز ثقة الأعمال وزيادة الاستثمار. فلا يزال ترتيب معظم بلدان المنطقة في النصف الأدنى من المؤشرات العالمية التي تقيس قدرة الحكومات على العمل الفعال والسيطرة على الفساد، كما أن هذه المراتب تدهورت في السنوات القليلة الماضية (انظر الرسم البياني 3). وينبغي أن تقدم الحكومات الموارد اللازمة والسلطة القانونية المطلوبة لتحسين الشفافية والإدارة المالية مع العمل في نفس الوقت على مكافحة الفساد.

ويعتبر الدمار المترتب على الحرب أكبر اختبار للجميع. فاللاجئون بحاجة إلى الغذاء والمأوى والتعليم والمساعدة في العثور على فرص عمل؛ والبلدان المضيفة لا طاقة لها بتحمل هذه الأعباء وحدها. وعندما تنتهي الصراعات، ستكون المهمة التالية هي تعبئة الموارد اللازمة لإعادة بناء البنية التحتية والمؤسسات وإعادة النازحين إلى سوق العمل. وغالبا ما يكون نمط التمويل متقلبا بالنسبة للبلدان الخارجة من مرحلة صراع، مما يتطلب تنسيقا قويا على المستوى الدولي لضمان حصولها على الدعم الكافي. وينبغي أن يكون التمويل الرسمي في صورة منح أو يُقدَّم بشروط على درجة عالية من التيسير، كما ينبغي أن تُكَمِّله تدفقات كبيرة من القطاع الخاص، بما في ذلك التبرعات وتحويلات العاملين.

لا شك أن المنطقة تقف عند مفترق طرق في تاريخها الحديث، مع احتمالات أن تكون العواقب وخيمة على الرخاء العالمي. فلم يمر على صناع السياسات وقت أكثر حرجا يتطلب منهم التركيز على تمكين أعداد هائلة من أصحاب المهارات غير المستغلة. وسيكون التقدم محدودا لو لم تتح للنساء، اللاتي يشكلن نصف السكان، فرصا للنجاح. وعلى ذلك فإن التحول لن يكون قابلا للاستمرار ما لم يتم تعجيل الإصلاحات، مع جعل الاحتواء الاقتصادي هدفا أساسيا لها. ويتيح التعافي العالمي فرصة فريدة، وحين يعود السلام إلى المنطقة، سيزداد أثر الإصلاحات التي تتم اليوم أضعافا مضاعفة. ولذلك يتعين التحرك الآن لرفع النمو ومستويات المعيشة على أساس قابل للاستمرار وتحقيق طموحات شعوب المنطقة. فالجمود سيكون كارثيا وسيعني استمرار الركود الاقتصادي وتزايد البطالة وتصاعد التوترات الاجتماعية وامتداد أجل الصراع. الآن هو وقت الانتقال من الأهداف إلى التحرك العملي.



الدكتور جهاد أزعور مدير لإدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي.