في الأسبوع الماضي، طرحت السيدة أورسولا فون دير لاين، رئيس المفوضية الأوروبية، اقتراحا* طموحا يحدد للاتحاد الأوروبي هدفا لخفض انبعاثاته من غازات الاحتباس الحراري بنسبة 55% على الأقل بحلول 2030 مقارنة بمستويات عام 1990. ولا يعدو هذا أن يكون هدفا للمدى المتوسط. أما الهدف النهائي للاتحاد الأوروبي فهو أن يصبح تأثيره محايدا على المناخ مع حلول عام 2050، مثلما ورد في "الاتفاق الأخضر الأوروبي".
وهذه الأهداف تتسم بقدر مناسب من الطموح، إلى جانب كونها واقعية وقابلة للتحقيق. فتخفيف آثار تغير المناخ ليس من قبيل الرفاهية ولكنه ضرورة إذا أردنا تجنب أزمة مناخية. ولحصر الاحترار العالمي في حدود 1,5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية – وهو مستوى يعتبر آمنا نسبيا حسب خبراء المناخ – سيتطلب الأمر وصول العالم كله إلى مستوى الحياد المناخي مع حلول عام 2050، والاتحاد الأوروبي يقود المسيرة*.
الطريق إلى المستقبل
لن يكون تنفيذ مثل هذا التخفيض الكبير للانبعاثات بالأمر الهين. فسوف يتطلب تحولا كبيرا في هيكل الاقتصاد الأوروبي نحو المزيد من الاعتماد على الطاقة المتجددة ورفع كفاءة استهلاك الطاقة.
وتشير دراستان جديدتان صادرتان عن الصندوق إلى أن وجود حزمة سياسات* مصممة بدقة من شأنه تمكين الاتحاد الأوروبي من تحقيق أهدافه للانبعاثات مع الحفاظ على ديناميكية النمو. ومع تحري الدقة في تسلسل خطوات التنفيذ، من شأن هذه السياسات أيضا أن تدعم التعافي الاقتصادي* من الركود الذي أحدثته جائحة فيروس كورونا.
استراتيجية النمو المراعية للمناخ
ينبغي استخدام التعبئة غير المسبوقة للموارد العامة على مستوى البلدان والاتحاد الأوروبي لمكافحة الأزمة من أجل بناء اقتصاد مستدام وأكثر صلابة.
ومن الممكن تحقيق نمو غني بالوظائف في الاتحاد الأوروبي على المدى القريب من خلال إعطاء أولوية للاستثمار في التكنولوجيات الخضراء والرقمية. ومع ترسُّخ التعافي، ستؤدي الزيادة التدريجية في أسعار الكربون إلى توفير الإيرادات الضرورية مع خلق حوافز أكبر للاستثمار في التكنولوجيات النظيفة واستخدام الطاقة بكفاءة.
وينبغي أن تتضمن الاستراتيجية العناصر التالية:
سعر متزايد تدريجيا للكربون: فسعر الكربون الذي يغطي كل الانبعاثات ويرتفع بصورة تدريجية مع مرور الوقت هو أكفأ آلية تضمن تعديل سلوك الأسر والشركات لتخفيض الانبعاثات على نحو يحقق فعالية التكاليف. ويتيح تسعير الكربون حوافز لتخفيض استهلاك الطاقة وكذلك لاستخدام مصادر أنظف للطاقة.
وقد نجح "نظام تداول الانبعاثات" الذي يطبقه الاتحاد الأوروبي في السيطرة على الانبعاثات. ولكن ينبغي توسيع التغطية التي لا تزال مقصورة على توليد الكهرباء والصناعات الكبيرة لتشمل كل القطاعات. ومن الممكن تعزيز إمكانية التنبؤ بالإشارة السعرية عن طريق وضع حد أدنى متصاعد تدريجيا لتصاريح الانبعاثات. كذلك فإن انخفاض أسعار السلع الأولية حاليا هو فرصة جيدة لإلغاء ما تبقى من دعم الوقود الأحفوري والإعفاءات الضريبية بصورة تدريجية.
استخدام إيرادات تسعير الكربون لدعم النمو المستدام: يمكن استخدام ما يتأتى من إيرادات لتخفيض ضرائب العمل وغيرها من الضرائب التشويهية (أو تجنب زيادتها)، وتشجيع الاستثمارات الخضراء المنتجة، ودعم المتضررين من التحول إلى اقتصاد أخضر. وتبين دراستنا أنه مع كفاءة استخدام الموارد، تصبح التكلفة الاقتصادية لسياسات المناخ بالغة الانخفاض في الأجل القريب. وعلى المدى الطويل، تصبح المنافع الاقتصادية والصحية المتمثلة في انخفاض التلوث وتحسن جودة الهواء وتجنب الأضرار البيئية أكثر بكثير من أي تكاليف قصيرة الأجل. وببساطة، فإن تكلفة الإحجام عن أي فعل تتجاوز بكثير تكلفة التحرك للمواجهة.
دعم الاستثمارات الخضراء والسياسات غير السعرية الموجهة: لا يكفي تسعير الكربون وحده لسرعة إخلاء بعض القطاعات من الكربون، مثل النقل والمباني. فمن الضروري اتخاذ سياسات مكمِّلة لمعالجة معوقات محددة، بما في ذلك قيود التمويل، والأسواق غير الكاملة، وتوافر السلع العامة. فعلى سبيل المثال، تستطيع الحكومات توجيه الإنفاق الرأسمالي نحو البنية التحتية للشبكات، بما في ذلك محطات شحن المركبات بالكهرباء وشبكات الطاقة الكهربائية لدعم توصيل الكهرباء وتوليد الطاقة الأنظف. ويمكنها أيضا المساعدة في تشجيع الابتكار في التكنولوجيات الناشئة، مثل توليد الهيدروجين والأساليب الجديدة لحبس الكربون وتخزينه. فمن الممكن تخفيف قيود التمويل للأفراد والشركات، على سبيل المثال، من خلال التمويل منخفض التكلفة لمبتكرات المباني التي تتسم بكفاءة استخدام الطاقة. وهناك دور مهم أيضا تقوم به السياسات غير السعرية الأخرى في مجالات محددة، مثل مزيج الرسوم والتخفيضات (وهو سلم متحرك للضرائب والتخفيضات على المنتجات يرتبط بمعدلات الانبعاثات)، والمعايير، والقواعد التنظيمية.
ضمان التحول العادل: ينبغي دعم الأسر والعمال الأكثر تضررا جراء التحول عن الأنشطة كثيفة الاستخدام للكربون. وحتى يكون التحول الأخضر ناجحا، يجب أن يكون محقِّقا للعدالة والإنصاف. ويمكن أن يتضمن هذا الدعم تقديم تحويلات مباشرة للأسر منخفضة الدخل ومساعدات التدريب والتسكين الوظيفي للعمال. ومع توسع الاتحاد الأوروبي في تغطية أسعار الكربون لتشمل عددا أكبر من القطاعات، فستكون هناك حاجة أيضا لدعم الدول الأعضاء منخفضة الدخل التي يقع عليها الأثر الأكبر لارتفاع أسعار الانبعاثات.
الحيلولة دون "تسرب الكربون" من خلال التعاون العالمي: تمثل الانبعاثات الصادرة عن الاتحاد الأوروبي 10% فقط من الانبعاثات العالمية، وهي نسبة لا تكفي وحدها لوقف الاحترار العالمي. وأفضل السبل لتخفيض الانبعاثات العالمية ومنع "تسرب الكربون" (أي تحويل الإنتاج ذي الانبعاثات الكثيفة إلى البلدان الأقل في أسعار الكربون) هو أن تتوصل البلدان الأكثر إصدارا للانبعاثات إلى اتفاق حول حد أدنى لتسعير الكربون. وفي غياب مثل هذا الاتفاق، يمكن منع التسرب عن طريق تطبيق نفس أسعار الكربون على نفس المنتجات بغض النظر عن مكان إنتاجها.
إن جهود التعافي من الأزمة الحالية تتيح الفرصة لتعجيل التحول نحو اقتصاد أكثر خضرة واستدامة وإنصافا. والاتحاد الأوروبي يسعى لاغتنام هذه الفرصة ونحن على ثقة من قدرته على أن يحقق أهدافه وأن يوضح للعالم مزايا التحول إلى نموذج اقتصادي منخفض الكربون.
* بالانجليزية
*****
دورا إياكوفا تشغل منصب مدير مساعد في الإدارة الأوروبية بصندوق النقد الدولي، ويركز عملها حاليا على إسبانيا وسياسات المناخ الأوروبية. وكانت من قبل رئيس بعثة الصندوق للمملكة المتحدة والمكسيك وشيلي والنرويج، كما رأست قسم الدراسات الإقليمية في إدارة نصف الكرة الغربي. وفي وقت سابق من عملها في الصندوق، ركز عملها على عدد من الاقتصادات المتقدمة والصاعدة في آسيا وأوروبا.
ألفريد كامر يعمل مديرا للإدارة الأوروبية في صندوق النقد الدولي منذ أغسطس 2020. وبهذه الصفة، يشرف على عمل الصندوق مع أوروبا.
وقبل ذلك، شغل السيد كامر منصب مدير مكتب المدير العام، حيث قدم المشورة للمدير العام بشأن القضايا الاستراتيجية والتشغيلية وأشرف على العمليات نيابة عن فريق الإدارة العليا؛ ونائب مدير إدارة الاستراتيجيات والسياسات والمراجعة، حيث أشرف على العمل المعني باستراتيجية الصندوق وسياسته الرقابية؛ ونائب مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، حيث أشرف على التطورات الاقتصادية الإقليمية وقضايا القطاع المالي؛ ومدير مكتب إدارة المساعدة الفنية، حيث قدم المشورة للإدارة العليا بشأن عمليات المساعدة الفنية وأشرف على أعمال تعبئة الموارد والشراكات العالمية من أجل بناء القدرات؛ ومستشار نائب المدير العام. كذلك عمل السيد كامر ممثلا مقيما للصندوق في روسيا. ومنذ انضمامه إلى الصندوق، عمل مع بلدان في إفريقيا وآسيا وأوروبا والشرق الأوسط، كما عمل على مجموعة واسعة من قضايا السياسات والقضايا الاستراتيجية.
جيمس روف يشغل منصب مدير مساعد في إدارة شؤون المالية العامة بصندوق النقد الدولي. وقد اضطلع مؤخرا بدور جديد هو منسق سياسات تغير المناخ، حيث يشرف على فريق من الخبراء المختصين في هذا المجال وجدول أعمال آخذ في التوسع حول سياسات المالية العامة المعنية بالتصدي لتغير المناخ. وشملت تكليفاته السابقة في الصندوق رئاسة بعثة الصندوق لروسيا وصربيا، واستجابة السياسات للأزمة المالية العالمية وأزمة منطقة اليورو، ووضع سياسات لكفاية الاحتياطيات وإعادة هيكلة الديون السيادية، وحالات أزمة منفردة في روسيا والأرجنتين واليونان، وإعارات خارجية في بولندا وبلغاريا. وكان السيد روف يعمل في الخزانة البريطانية قبل انضمامه إلى الصندوق.