مجلة التمويل والتنمية, ديسمبر 2017 • المجلد 54 • العدد 4    النص

الوصول إلى الفقراء

كايتلين براون ومارتن رافاليون ودومينيك فان دي وال

أدلة جلية من إفريقيا توضح مدى صعوبة توجيه جهود مكافحة الفقر توجيها حسنا

غالبا ما يقال إن فجوة الفقر الإجمالية في العالم — أي المبلغ النقدي الإجمالي الذي يقع على أساسه جميع الفقراء تحت خط الفقر — متواضعة إذا ما استخدمنا خطوط فقر مماثلة لتلك المستخدمة في البلدان منخفضة الدخل. وعلى سبيل المثال، كتبت آني لاوري في مقالتها المنشورة في مجلة نيويورك تايمز في 23 فبراير 2017 أن "أحد التقديرات الحديثة... أشار إلى أن فجوة الفقر العالمية ... تناهز ما ينفقه الأمريكيون على تذاكر اليانصيب كل عام، ونحو نصف ما ينفقه العالم على المعونة الخارجية."

ويُستدل في بعض الأحيان أن القضاء على الفقر العالمي — أي رفع جميع فقراء العالم إلى خط الفقر الدولي الذي يفصل الفقراء عن غير الفقراء — لا يستلزم إلا مبلغا متواضعا من المال.

غير أن القضاء على الفقر أصعب بكثير من الحجم الذي يمكن أن تشير إليه فجوة الفقر الإجمالية. فمن الصعب للغاية تحديد الفقراء وحجم فقرهم. وبالتالي يمكن أن تكون التقديرات الواردة في مجلة نيويورك تايمز بعيدة عن الواقع تماما. ويظل بعض الفقراء الحقيقيين في حاجة إلى المال في حين تصل الأموال إلى يد آخرين. ونظرا لقصور المعلومات المتعلقة بمستويات المعيشة، يمكن أن يتزايد المبلغ المالي اللازم للقضاء على الفقر بسرعة كبيرة.

وقد حاولنا تقييم مدى كفاية البيانات المتاحة عادة والتي يستخدمها صناع السياسات بانتظام في إفريقيا جنوب الصحراء — وهي أفقر مناطق العالم وفقا لمعظم المقاييس — لتحديد الفقراء على نحو موثوق.

تحديد الأسر الفقيرة

كثيرا ما تتسم عملية تحديد الأسر الفقيرة بالتعقيد بسبب نقص البيانات الموثوقة. ومن الصعب، بل ربما من المستحيل، في كثير من الحالات تقييم المستويات المعيشية لجميع أفراد السكان. ففي البلدان الأعلى دخلا، تساعد سجلات ضرائب الدخل في تحقيق ذلك. إلا أن السجلات الضريبية لا تشكل خيارا قابلا للتطبيق في كثير من الاقتصادات النامية، نظرا لأن كثيرا من الأسر يعمل في القطاع غير الرسمي أو في الزراعة التقليدية. وكثيرا ما تواجه الحكومات عوائق بسبب القيود المفروضة على حفظ السجلات اللازمة لقياس جميع الدخول بشكل موثوق، ويمكن أن تكون هذه القيود شديدة في البلدان الفقيرة. وبالإضافة إلى ذلك، قد لا تشكل البيانات على مستوى الأسر مؤشرا جيدا لمستويات معيشة الأفراد داخل الأسرة.

ولمحاولة التغلب على هذه العقبة، بدأت الحكومات في جميع أنحاء العالم تتحول على نحو متزايد إلى استخدام شكل من أشكال الاختبارات بمؤشرات بديلة لتحديد الأسر الفقيرة. والفكرة بسيطة، حيث تعطى لكل أسرة درجة استنادا إلى مجموعة (صغيرة عادة) من خصائص الأسر التي يمكن ملاحظتها بسهولة والتي تشير إلى ما إذا كانت الأسرة فقيرة. ويمكن أن تشتمل هذه الخصائص على حجم الأسرة، وجنس رب الأسرة، والتكوين الديمغرافي للأسرة، ونوع المسكن الذي تعيش فيه الأسرة، والمواد التي صنع منها المسكن، والأصول التي تملكها الأسرة (على سبيل المثال، ما إذا كانت الأسرة تمتلك أغراضا أساسية مثل راديو أو هاتف). ويُعطى كل من هذه الخصائص وزنا ترجيحيا استنادا إلى علاقتها الإحصائية المُلاحَظة باستهلاك الأسرة استنادا إلى المسوح لعينات تمثيلية على الصعيد الوطني.

ودار كثير من النقاش بين الباحثين والممارسين حول فعالية الاختبارات بمؤشرات بديلة (أي، ما مدى جودة الاستعاضة بالسمات عن الأدلة المباشرة للدخل أو الاستهلاك). فيزعم المؤيدون أنها طريقة موثوقة، في حين يقول المنتقدون إن هذا المنهج يقدم تنبؤات غير مرضية عمن هو فقير ومن هو غير فقير. كما أثيرت شواغل إزاء نقص الشفافية والانقسام داخل المجتمعات المحلية، حيث تُعامل الأسر المماثلة معاملة مختلفة جدا استنادا إلى درجة غير مفهومة في اختبار بمؤشرات بديلة.

ونعكف على دراسة أداء هذه الطريقة الشهيرة في عدد من البلدان الإفريقية. وتشير نتائجنا إلى نقاط القوة والضعف لهذه الطريقة. والخبر المطمئن هو أن الاختبارات بمؤشرات بديلة يمكن أن تحد كثيرا من إدراج الأسر غير الفقيرة في برنامج لمكافحة الفقر، وفي معظم الحالات التي تناولناها بالدراسة، يمكن تقليل معدل الخطأ المرتبط بإدراج الأسر إلى النصف على الأقل. أما الخبر السيء فهو أن ذلك يأتي على حساب استبعاد الفقراء بشكل كبير. وعندما يكون الهدف هو الحد من الفقر، ينبغي أن يشعر صناع السياسات بالقلق إزاء الاستبعاد.

ومن الأسباب الرئيسية لارتفاع معدلات خطأ الاستبعاد هو أن الاختبارات القياسية بمؤشرات بديلة لا تعمل بشكل جيد بالقرب من طرفي منحنى توزيع استهلاك الأسر. وكثيرا ما تؤدي الخصائص الإحصائية لهذه الطريقة إلى تقدير المستويات المعيشية للفقراء بأعلى من قيمتها (وتقديرها بأقل من قيمتها للأغنياء). وعندما نقارن استهلاك الأسر الفعلي بالقيم المتوقعة من الاختبارات بمؤشرات بديلة، يتضح مدى أهمية هذه المبالغة في التقدير. ومن حيث الاستهلاك الفعلي لأفقر 20% من الأسر، تنتج الاختبارات بمؤشرات بديلة قيما متوقعة أعلى بنسبة 50% إلى 100% من الاستهلاك الفعلي. ويعني ذلك أن القياس يغفل عددا كبيرا من الأسر الفقيرة في جميع البلدان تقريبا: في المتوسط، يحسب الاختبار 80% من الأسر الفقيرة على أنها غير فقيرة، ويحسب 40% من الأسر غير الفقيرة على أنها فقيرة.

وبالنسبة لبلدين في دراستنا، وهما إثيوبيا ونيجيريا، يُظهر الرسم البياني العلاقة بين الاستهلاك الفعلي والدرجات باستخدام الاختبارات القياسية بمؤشرات بديلة. وفي البلدين، هناك علاقة موجبة قوية بين درجات الاختبار بمؤشرات بديلة والاستهلاك الفعلي، وأغلب الأسر التي تعتبر غير فقيرة استنادا إلى الدرجة التي حصلت عليها جاء تصنيفها صحيحا. ولكن توجد أخطاء استبعاد كبيرة، لا سيما في حالة إثيوبيا، حيث تم تحديد 95% من الفقراء على أنهم غير فقراء (مقارنة بنسبة 55% في حالة نيجيريا). غير أنه بالنسبة للبلدين، وكذلك بالنسبة لجميع البلدان الواردة في الدراسة، من الواضح أن المتغيرات البديلة الشائعة الاستخدام لا تبلي بلاء حسنا في تمييز الأسر الفقيرة عن غيرها.

وفي حالة تحديد ميزانية ثابتة، نخلص إلى أن الشكل الموحد من الاختبارات بمؤشرات بديلة يخفض معدل الفقر بنسبة ضئيلة في المتوسط مقارنة بدخل أساسي معمّم، يحصل فيه الجميع على نفس التحويلات، سواء كانوا من الفقراء أو الأغنياء أو متوسطي الدخل. ويمكن تحقيق نفس النتائج الجيدة للاختبارات بمؤشرات بديلة عن طريق إجراء تحويلات موحدة استنادا إلى عدد قليل من خصائص الأسر، مثل جنس رب الأسرة أو ما إذا كان لدى الأسرة أطفال صغار. وبالفعل، عند مراعاة حالات التأخر الطويلة غالبا في تنفيذ الاختبارات بمؤشرات بديلة وتغيّر ظروف الأسر، يكون أداء أساليب الاستهداف الأبسط أفضل في المتوسط في خفض معدل الفقر. وعند مراعاة تكاليف بناء وتنفيذ الاختبارات بمؤشرات بديلة، ربما تكون أساليب الاستهداف الأبسط هذه خيارا مفضلا من حيث خفض الفقر بالنسبة لميزانية معينة.

تحديد الأفراد الفقراء

حتى وإن أمكن استهداف الأسر الفقيرة بشكل صحيح، يظل من غير الواضح ما إذا كان ذلك يضمن الوصول إلى الأفراد الفقراء. فالفقر حرمان فردي، ولكنه يُقاس في كل الأوقات تقريبا باستخدام بيانات الأسر. وعادة، يُفترض أن يكون كل فرد من أفراد الأسر الفقيرة فقيرا، وكل فرد من أفراد الأسر غير الفقيرة غير فقير.

ولكن المقاييس واسعة الاستخدام القائمة على الأسر قد لا تحقق نتائج جيدة في تحديد الأفراد المحرومين الذين قد لا يستهلكون إلا حصة ضئيلة نسبيا من الاستهلاك الإجمالي للأسرة أو يواجهون عوائق في الحصول على فرص خارج نطاق الأسرة — بما في ذلك الحصول على الخدمات الصحية والتعليمية والمالية. ويمثل نقص البيانات عن الفقر على مستوى الأفراد عائقا كبيرا أمام دراسة مدى وصول برامج مكافحة الفقر التي تستهدف الأسر الفقيرة إلى الأشخاص الفقراء. ولا يتم جمع بيانات استهلاك الأفراد بسهولة، ومن الصعب تحديد كيفية اقتسام الدخل الذي يكتسبه الأفراد مع أفراد الأسرة الآخرين. وعلى سبيل المثال، في أسرة لا يعمل فيها سوى فرد واحد، يمكن اقتسام الدخل بالتساوي بين جميع أفرادها، أو قد يحصل فرد واحد منها على نصيب غير متناسب. وقد يعاني أفراد معينون داخل الأسرة، مثل كبار السن أو الأيتام، من التمييز. وبالتالي، يمكن أن نجد أفرادا غير فقراء يعيشون في أسر فقيرة وأفرادا فقراء يعيشون في أسر غير فقيرة.

يمكن أن نجد أفرادا غير فقراء يعيشون في أسر فقيرة وأفرادا فقراء يعيشون في أسر غير فقيرة.

وتمثل حالة التغذية أحد أبعاد الرفاهية الفردية التي تدل على الفقر ويمكن ملاحظتها في كثير من المسوح. وقد أجرينا دراسة شاملة عن العلاقة بين ثروة الأسرة (مقيسة إما بمؤشر الأصول المملوكة أو نصيب كل فرد من استهلاك الأسرة) وبين حالة التغذية في 30 بلدا في إفريقيا جنوب الصحراء باستخدام المسوح الديمغرافية والصحية.

وخلصنا إلى وجود علاقة قوية معقولة بين ثروة الأسرة ومؤشرات نقص التغذية بين النساء والأطفال — أي أن حالات نقص التغذية تميل إلى الانخفاض مع زيادة ثروة الأسرة. ومع ذلك، فإن نحو ثلاثة أرباع النساء اللواتي يعانين من نقص الوزن والأطفال الذين يعانون من نقص التغذية لا يقعون في نسبة العشرين في المائة لأفقر الأسر. ولا يقع نحو نصفهم في نسبة الأربعين في المائة الأفقر. وبالإضافة إلى ذلك، فإن البلدان التي تشهد معدل كلي أعلى لنقص التغذية هي غالبا تلك التي تكون فيها نسبة أكبر من الأفراد الذين يعانون من نقص التغذية من أسر غير فقيرة.

وهناك تفسيرات محتملة عديدة لهذه النتائج. ولم يثبت أن الاختلال الديمغرافي بين الأسر الفقيرة وغير الفقيرة يمثل عاملا مهما، مثل أن يكون للأسر الفقيرة عدد أطفال أكبر من الأسر غير الفقيرة. وفي حين أن أخطاء القياس واردة بالتأكيد، فلا تشير الاختبارات التي أجريناها إلى أن هذا هو السبب الرئيسي للنتائج التي توصلنا إليها.

وتسهم عدم المساواة داخل الأسرة الواحدة في تفسير سبب أن نسبة كبيرة من النساء والأطفال الذين يعانون من نقص التغذية ينتمون لأسر غير فقيرة. ونخلص إلى أن نسبة كبيرة من النساء والأطفال الذين يعانون من نقص التغذية يعيشون في أسر لا يعاني فيها رب الأسرة الذكر من نقص الوزن — على الرغم من أن رب الأسرة الذكر يعاني من نقص الوزن وأفراد الأسرة الآخرون لا يعانون منه في بعض الأحيان.

غير أن عدم المساواة داخل الأسرة ليس إلا جزءا من التفسير. ويتضح ذلك عندما نجري حساباتنا مرة أخرى بافتراض عدم وجود تفاوت داخل الأسرة (يُعطى كل فرد من أفراد الأسرة حالة تغذية متوسطة للأسرة). وحتى في هذه الحالة، نخلص إلى أن نسبة كبيرة من النساء والأطفال الذين يعانون من نقص التغذية لا يعيشون في أسر فقيرة على النحو المحدد في بيانات المسوح. ويبدو أن ذلك يرجع إلى أن الأسر الفقيرة وغير الفقيرة التي تعيش في مناطق محرومة غالبا ما تتقاسم نفس البيئة الصحية وبالتالي تتعرض لمخاطر صحية مماثلة. ونخلص إلى وجود أدلة تتسق مع هذا التفسير باستخدام بيانات عن حالات المرض بين الأطفال في مختلف توزيعات ثروات الأسر.

لا يوجد حل سهل

لا تمثل المعلومات بالطبع العامل الوحيد الذي يؤثر على سياسات مكافحة الفقر، إذ يتعين كذلك مراعاة القيود التي تواجه ميزانيات الحكومات (التي تعكس أيضا قدرة الحكومات على زيادة الإيرادات)، وتأثيرات الحوافز (مثلا عندما يغيّر غير الفقراء سلوكهم للحصول على منافع موجهة إلى الفقراء)، والاقتصاد السياسي (عندما لا يدعم بعض الأفراد غير الفقراء الجهود الرامية إلى مساعدة الفقراء). ولكن لا يمكن إنكار أن المعلومات تمثل قيدا مهما. وعلى صناع السياسات أن يضعوا توقعات واقعية بشأن ما يمكن إنجازه في ضوء موثوقية البيانات المتاحة.

وتشير نتائجنا إلى أن مصادر البيانات القياسية عن الفقر ليست فعالة جدا في تحديد الأسر الفقيرة أو الأفراد الفقراء. وللوصول إلى النساء والأطفال الذين يعانون من نقص التغذية، يتعين عند إجراء أي تدخل على مستوى السياسات إما الحصول على مزيد من المعلومات الفردية أو تنفيذ تغطية أوسع من السياسات الموجهة توجيها دقيقا إلى الأسر الفقيرة. ويصح ذلك الأمر تماما في البلدان التي تزيد فيها معدلات نقص التغذية.

وهناك إمكانية لاستخدام بيانات أفضل وأساليب أفضل. ولكن فكرة القضاء على الفقر بسهولة عن طريق التحويلات حسنة التوجيه إنما هي فكرة مفرطة في التفاؤل. ويصح ذلك الأمر حتى قبل أن نبدأ في التفكير في آثار الحوافز العكسية (الخطيرة ربما) التي يمكن أن تترتب على هذه السياسة.


كايتلين براون هو مرشح لدرجة الدكتوراه ومارتن رافاليون أستاذ الاقتصاد ببرنامج إدموند د. فيلاني بجامعة جورج تاون. ودومينيك فان دي وال هو خبير اقتصادي رئيسي في مجموعة بحوث التنمية في البنك الدولي.